في خطوة أشبه بالبحث في الدفاتر القديمة, وأمام ضغوط كثيرة من الوسط المسرحي, لجأ وزير الثقافة د. صابر عرب إلي فكرة تبدو في ظاهرها نبيلة. ولكنها في الحقيقة لا تتعدي كونها مجرد مسكنات لآلام دامت ثماني سنوات, وقت وقوع محرقة مسرح بني سويف التي راح ضحيتها عشرات المسرحيين شبابا وكبارا, والتي لم يحاسب عليها حتي اليوم فاعلها الحقيقي, لذا قرر عرب تحويل اسم مسرح' ملك' الكائن في وسط البلد إلي' مسرح5 سبتمبر' لاغيا بجرة قلم تاريخ طويل جاهدت صاحبته طويلا من أجل أن يخلد اسمها في عالم المسرح, ودون أي خطوة ايجابية فعالة لذوي هؤلاء الضحايا.. فما حكاية هذا المسرح؟ وماذا يجري فيه حاليا؟ ملك محمد هي نفسها زينب محمد أحمد الجندي, تلك المطربة التي ولدت في28 أغسطس1902 وتوفت عام1983, ولمع اسمها في ثلاثينيات واربعينيات القرن العشرين باعتبارها مغنية وملحنة وعازفة عود مصرية سحرت أوتارها كبار شخصيات المجتمع وعلي رأسهم أمير الشعراء أحمد شوقي, فلم يبخل عليها بفرصة غناء اشعاره, فقدمت من كلماته' يا حلوة الوعد' و'بي مثل ما بك', وكذلك أغنية' لحن الورد' من كلمات بيرم التونسي, وبألحان رياض السنباطي شدت اغنيتي' رعيت عهد الوداد'و' يا مهد كنت الامل' بالإضافة لأغنيات رومانسية أخري دفعت عملاق الصحافة محمد التابعي إلي أن يطلق عليها اللقب الشهير' مطربة العواطف', كما تتلمذت علي أيدي أعمدة الموسيقي في مصر مثل ذكريا أحمد ومحمد القصبجي, وما لا يعرفه أحد أن الخطاط محمد حسني والد الفنانتين سعاد حسني ونجاة الصغيرة هو من أطلق عليها هذا الاسم بعد أن تألقت في عالم الغناء وانضمت لفرق أمين صدقي المسرحية, وشاركت معه في مسرحيتي' الكونت زقزوق' و'عصافير الجنة', ثم قامت بتلحين العديد من الأعمال الغنائية, ومع ازدياد نبوغها فاض طموحها فأسست فرقة غنائية خاصة بها عام1941, باسم' أوبرا ملك', وقد قدمت من خلالها العديد من المسرحيات مثل' روميو وجولييت' لصالح جودت,' مدام بترفلاي',' عروسة النيل' للأديب الكبير محمود تيمور, و'ليالي شهرزاد' للسيد زيادة', ورغم كل هذا التألق إلا ان القدر لم يسمح لها بمزيد من النجاح, فقد احترق مسرحها مع اندلاع حريق القاهرة الشهير في26 يناير1952, وهو الحادث الذي دفعها للاعتزال لعدم تحملها تلك الصدمة, وظلت بعيدة عن الفن حتي توفت في اغسطس.1983 وظل المسرح بعد وافتها مغلقا حتي تم ضمه لشركة مصر للإنتاج السينمائي التابعة لهيئة الاستثمار, وهو الأمر المثير للدهشة لأنه كان من المفترض أن يتم ضمه لمسارح الدولة, ولكن ضمه لوزارة الاستثمار جاء في إطار خطوات نظام مبارك للقضاء علي كل ما يمكن أن يشع ثقافة في مصر, والغريب الآن أنه لكي يتم استغلاله الآن يتم تأجيره للبيت الفني للمسرح والذي يقوم بالإنفاق علي إصلاحه وإعادته للخدمة من جديد شأنه في ذك شأن كل مسارح الدولة التي لا تملكها وزارة الثقافة!- وقد أصدر د. صابر عرب قراره في شهر اغسطس الماضي بتعيين المخرج الشاب أحمد السيد مديرا لهذا المسرح لمدة عام واحد, مع تغيير اسم المسرح إلي مسرح'5 سبتمبر' بدعوي تكريم شهداء مسرح بني سويف, وهي خطوة لا تليق بهؤلاء الضحايا ولن تقدم لهم أي جديد, بل وتسلب. ما يواجهه المخرج الشاب أحمد السيد حتي الآن من عراقيل إدارية لإعادة افتتاح المسرح شيء يفوق الخيال, ففي الوقت الذي جري فيه بين تصاريح محافظة القاهرة وموافقات التنسيق الحضاري استهلك وقتا أكثر من3 أشهر منذ تعيينه, وجد نفسه ايضا فريسة المسئولين عن تنفيذ المشروعات في البيت الفني للمسرح الذين يتعمدون اهدار مزيد من الوقت حتي لا يتمكن المخرج الشاب من تنفيذ خطته الفنية بالمسرح والتي تهدف لإقامة ثمان ورش فنية في كل عناصر العمل المسرحي من تمثيل واخراج وكتابة واضاءة وصوت وديكور وازياء وخلافه بحيث يكون مشروعا بشريا يضيف للحركة المسرحية كثيرا من الزخم, حتي أنه تم تأجيل افتتاح المسرح. وفيما يخص تغيير اسم المسرح أكد أحمد السيد أنه غير راض عن هذا, ولكنه لم يعترض نظرا للدور الذي يهدف أن يلعبه المسرح الآن, خاصة وأنه يشعر ان المجيء به مديرا للمسرح اختبار وصفه بالتعجيزي لشباب المسرح الذين ثاروا علي الأوضاع القائمة, ورغم هذا فقد قبل هذا التحدي ويعمل الآن بكل الطرق لاعادة الحياة إلي هذا المسرح العريق, وفي سبيل تنفيذ خطته اتفق مع مديري المسارح الاخري لبدء ورشه الفنية في مسارحهم, وهو ما حدث بالفعل, لتسير الأمور بشكل متوازي ليتم بناء الحجر والبشر معا.