من الحقوق السياسية الأساسية للمسلمين أن يراقبوا تصرفات الحاكم وسلوكه, وأن يحاولوا, بالأساليب الشرعية, تقويم المعوج منها, حتي يصلح منها أو يعزل. ويعتبر ذلك من قبيل الجهاد. وكان الخلفاء الراشدون يعلمون علم اليقين مدي ثقل الأمانة التي يحملونها, ومدي مسئوليتهم عنها أمام الله سبحانه وتعالي وأمام جمهور المسلمين. وقد خطب أبوبكر الصديق في الناس عندما تولي الخلافة فقال: أيها الناس, إني وليت عليكم ولست بخيركم, فإن أحسنت فأعينوني وإن صدفت( أسأت) فقوموني. الصدق أمانة والكذب خيانة, الضعيف فيكم قوي عندي حتي آخذ الحق له, والقوي فيكم ضعيف عندي حتي آخذ الحق منه, أطيعوني ما أطعت الله ورسوله, فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم. كذلك كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلي واليه علي الكوفة أبي موسي الأشعري يقول: يا أبا موسي, إنما أنت واحد من الناس غير أن الله جعلك أثقلهم حملا, واعلم أن العامل إذا زاغت رعيته, وأشقي الناس من شقيت به رعيته. ومما يرويه التاريخ في هذا الشأن أن عثمان بن عفان انتقده الناس لتعيين بعض غير الأكفاء قال: إني أتوب وأنزع, ولا أعود لشيء عابه المسلمون. والضابط في شغل المناصب هو الكفاءة والقدرة, دون النظر إلي القرابة أو اللون أو الصداقة. روي أن أبا ذر الصحابي الجليل قال لرسول الله صلي الله عليه وسلم ألا تستعملني؟ فضرب رسول الله بيده الكريمة علي منكبه وقال له: يا أبا ذر إنك ضعيف, وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدي الذي عليه فيها( صحيح مسلم). وروي عن عبدالرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم يا عبدالرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن اعطيتها عن مسألة وكلت إليها, وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها. وإذا حلفت علي يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر يمينك وانت الذي هو خير( صحيح البخاري). وقد توعد الرسول صلي الله عليه وسلم من يعين شخصا في منصب وهناك من هو أكفأ منه لقرابة أو صداقة أو عطية إليه إذ يكون عندئذ قد خان الأمانة التي عهد الله إليه بها. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : من استعمل رجلا من عصابة وفيهم من هو أرضي لله منه. فقد خان الله ورسوله والمؤمنين( الجامع الصغير). كذلك قال عليه الصلاة والسلام: من ولي من أمر المسلمين شيئا فأمر عليهم أحدا محاباة, فعليه لعنة الله, لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتي يدخله جهنم( مسند أحمد). وقد أفاد الرسول صلي الله عليه وسلم بأن تعيين غير الأكفاء وتفضيلهم علي الأكفأ يعتبر من مظاهر الفساد الذي يظهر في آخر الزمان, فقد جاء رجل إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فسأله: متي تقوم الساعة؟ فقال الرسول: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة فقال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة( صحيح البخاري). ورقابة الشعب علي سلوك الحاكم والولاة حق أساسي من حقوقه, ويترتب علي ذلك مسئولية الحكام أمام الأمة. ويجب علي الأمة أن توجه إليهم النصح, وتحاسب الظالم منهم, قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إن الله يرضي لكم ثلاثا, ويسخط لكم ثلاثا: يرضي لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا, وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا, وأن تناصحوا من ولاة الله أمركم ويسخط لكم قيل وقال, وإضاعة المال, وكثرة السؤال( موطأ مالك). وعلي النقيض من ذلك تماما أن ينافق الناس الحاكم, ويمالئوه استرضاء له, ويزينوا له رغباته ولو رأوا أنها لا تحقق الصالح العام. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا علي يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه( الجامع الصغير), وعلي الحاكم أو الوالي أن يستمع لكل صاحب مظلمة, وينظر في كل شكوي تقدم إليه, ويعالج الأمر بما يحقق العدل والمصلحة ويزيل الظلم. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقص من عماله, وإذا شكي إليه عامل له جمع بينه وبين من شكاه, فإن صح عليه أمر يجب أخذه به أخذه به. ويجب علي الحاكم أن يراقب عماله ولا يكفي أن يكون قد اختار الأكفأ, قال عمر بن الخطاب أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل, أكنت قضيت ما علي؟ قالوا نعم, فقال: لا, حتي أنظر عمله, أعمل بما أمرته أم لا؟. كذلك لا تقتصر رقابة الحاكم للولاة علي تنفيذهم لتعاليمه, وإنما يراقب فضلا عن ذلك ما يكون قد طرأ عليهم وعلي حياتهم من تغير أو تربح أو بذخ. روي أن النبي صلي الله عليه وسلم استعمل رجلا من بني أسد علي صدقة, فلما قدم قال: هذا لكم, وهذا أهدي لي. فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول هذا لك وهذا لي, فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدي له أم لا( صحيح البخاري). كذلك كتب عمر بن الخطاب إلي عامله علي الكوفة أبي موسي الأشعري يقول: قد بلغ أمير المؤمنين أنه فشا لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك, ليس للمسلمين مثلها, فإياك يا عبدالله أن تكون مثل البهيمة التي مرت بواد خصب فلم يكن لها هم إلا السمن, وإنما حتفها في السمن. واعلم أن للعامل مردا إلي الله, فإذا زاغ العامل زاغت رعيته, وإن أشقي الناس من شقيت به رعيته. وقد كان عمر بن الخطاب من أشد الناس حرصا علي رضاء الله سبحانه وتعالي وتنفيذا لشرعه والتزاما بأمانة الحكم, وعلي الرغم من أن من حق الحاكم باعتباره موظفا في الدولة أن يحصل مقابل عمله في خدمة المسلمين علي راتب معين, إلا أن عمر بن الخطاب فرض علي نفسه ألا يأخذ من أموال المسلمين إلا أن يكون ذلك للضرورة, وبقدرها, وقد عبر عن ذلك بقوله: إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم, إن استغنيت عففت, وإن افتقرت أكلت بالمعروف.