جاءت معركة العبور لتصبح ملحمة تاريخية وانسانية, استقي من نبعها المبدعون.. أرتوا من مائه العذب.. لتتفتح في حديقة الشعر أبياتا وفي رياض القصة سطورا... لكن ما أضيق الكلمات أمام رحابة التضحيات!!.. رحت أبحث بين الكتب- فهي الملجأ والخلوة- عن أعظم الروايات التي جسدت هذا الحدث الإستثنائي.. علني أجد رواية تضاهي في القيمة الأدبية رائعة إرنست همنجواي وداعا للسلاح.. فلم أجد- مع الأسف- ما ينافسها عالميا!! هناك بالفعل مئات الكتب من الأعمال الإبداعية: دواوين شعر, ومجموعات القصص القصيرة, والروايات, والمذكرات الشخصية.. بالإضافة إلي الكتب التي ترصد وتحلل استراتيجيا هذه الحرب.. لكن أجمل فصول التاريخ لم تكتب بعد بصياغة أدبية ترتقي إلي العالمية!! متعجبا من التعجل لطرق أبواب العالمية, يري الأديب والروائي يوسف القعيد أن أعظم رواية في التاريخ الحرب والسلام والتي تحكي عن اجتياح القائد الفرنسي نابليون بونابرت الأراضي الروسية, قام بكتابتها الأديب الروسي ليو تولستوي بعد مرور75 سنة تقريبا علي هذه الحرب.. أي إنه لم يشارك فيها بنفسه. تجربته طوال فترة التجنيد بالجيش, منحت يوسف القعيد فرصة العمر, فهي لم تتح للكثيرين.. وقد استطاع من خلالها تدوين انطباعاته وشهاداته عن هذه الفترة المصيرية من تاريخ مصر, وما ترتب عليها فيما بعد من تغير في وجه الحياة السياسية والاجتماعية علي أرض المحروسة.. تجدها في أعماله: حكايات الزمن الجريح, تجفيف الدموع, أطلال النهار.. إلا أن أكثر أعماله شهرة كانت الحرب في بر مصر حيث كان ممنوع طبعها في مصر منذ عام1977 إلي عام.1985 في هذه الرواية طرح الكاتب وجهة نظره, بأن الحرب قام بها الفقراء وحولها الأغنياء إلي مشروع استثماري.. لذا لم تطبع في مصر إلا بعد ثماني سنوات من كتابتها, بينما طرحت في سوق الكتاب في دول عربية عديدة منذ أول يوم لميلادها. من هذا المنطلق, يغار أديبنا علي ذاكرة أكتوبر الأدبية, ويخشي عليها من النسيان.. لذا, فإنه يطالب الدولة المصرية أن تتصدي لهذا المشروع الكبير, وأن تحفظ للتاريخ كل ما أنتج من أعمال إبداعية تناولت الحرب( كانت مع أو ضد.. مؤيدة أو معارضة) لروائيين مصريين أمثال: جمال الغيطاني, وفؤاد حجازي, وقاسم مسعد عليوة, وفؤاد قنديل.. فؤاد حجازي الذي شارك في حرب1967, وأسر فيها حيث قضي في سجن عتليت بإسرائيل ثمانية أشهر, لم يعنيه هذا النوع من الجدل بين المثقفين!.. راح يسجل شهاداته في العديد من روائع أعماله, منها: الرقص علي طبول مصرية, ورجال وجبال ورصاص, والأسري يقيمون المتاريس, والمحاصرون. في هذا الصدد, يقول حجازي: هي حرب شنها أبناء الشعب بمختلف فئاته.. والسادات استجاب لإرادة الشعب الثائر حين اتخذ قرار الحرب.. وهو أمر في حد ذاته يحسب لصالح الرئيس الذي انصاع إلي مطالب الجماهير.. من يريد أن يختلف معه سياسيا له مطلق الحرية, لكن يجب أن نكون منصفين في الحكم علي رجل اخذ قرار الحرب في مواجهة جبل من التحديات. صمود اسطوري.. رجولة وبسالة.. جعلت الجندي المصري يكسر أنف الإسرائيليين المتغطرسة.. ويجعل منهم عبرة أمام الدنيا لمن لا يعتبر.. الصفعة كانت علي الوجه قوية, دفعت الإسرائيليين إلي التفاوض بعد أن كانوا رافضين له.. وهي نفسها التي جعلت نغمة الانكسار والحزن والحداد والاحتجاج تتجلي في حركة الأدب الإسرائيلي من قصص وقصائد الأحزان والألم.. وقصص وقصائد الاحتجاج علي الحرب.. إلي قصص وقصائد معاداة السامية.. وصولا إلي أدب العزلة واليأس والاغتراب.