عندما يأتي شهر أكتوبر من كل عام, وسط أجواء الخريف, تتداعي إلي ذهني أحداث يوم الخميس الأول من اكتوبر عام1970! كنت في ذلك الحين أقضي فترة التجنيد الإجباري في القوات المسلحة عقب تخرجي في الجامعة في عام.1969 كان منزلنا في شبرا, وكانت وحدتي العسكرية في حي منشية البكري. كانت مصر كلها في حالة ذهول ما بعد صدمة الرحيل المفاجيء لجمال عبد الناصر الذي أعلن عنه أنور السادات يوم الاثنين السابق. وخرجت كالعادة مبكرا في نحو السادسة والنصف, محملا بمشاعر من الضيق و الإحباط والجزع, لأن التزامي بالذهاب إلي الوحدة العسكرية سوف يمنعني من المشاركة في وداع جمال عبد الناصر. ذلك أمر رهيب لم أكن أتصوره أبدا!. ولكن ما أن نزلت إلي الشارع حتي اكتشفت أن الجنازة كان مكانها في الحقيقة هو القاهرة كلها, بل مصر كلها! ووسائل المواصلات جميعها متوقفة, والناس يملأون الشوارع, وأخذت أشق طريقي سيرا علي الأقدام من شبرا إلي منشية البكري وسط ملايين البشر! ووجدت نفسي منساقا غير عابئ بطول المسافة و تفرعات الطرقات, فما حولي هو فقط طوفان من البشر نزلوا جميعهم لوداع الزعيم! واختلط البكاء و النحيب بالنواح و الأهازيج الحزينة, ثم انبثق نشيد جنائزي مهيب لا يعرف أحد من ألفه و لا من لحنه! الوداع ياجمال ياحبيب الملايين....الوداع. كنت أحد أبناء هذا الجيل الذي تفتح وعيه ونما مع جمال عبد الناصر, فقد قامت الثورة وعمري خمس سنوات, ولذا فإن أهم ماكان يشغلني وأنا منقاد في بحر البشر المتلاطم- هو التساؤل: ماذا ياتري سيكون شكل مصر بعد عبدالناصر؟ كانت أحاسيس أشبه بمشاعر طفل فقد أباه, أو حتي فقد أسرته كلها فجأة! حقا, كان يوما لا ولم و لن ينسي! لمزيد من مقالات د.أسامة الغزالى حرب