المندوب السامي البريطاني الذي حكم مصر من داخل قصر الدوبارة1882 1907 عقب الانكسار العسكري للثورة الوطنية بقيادة أحمد عرابي عام1882, يتساءل: ما مصير مصر لو تخلصت من مهارة ألأوروبيين, وأرستقراطية الأتراك الذين يملكون الأرض, وأين هي العناصر التي يمكن أن تحكم مصر لو نجح عرابي وزملاؤه دعاة مصر للمصريين ؟ وكيف تترك مصر يحكمها الفلاحون الغارقون في الجهالة وصغار الملاك ومشايخ البلاد والعمد وأصحاب الملكيات الصغيرة الذين لا تزيد معلوماتهم بالحكم علي الأقباط الذين لو قدر لهم السلطان فإنهم ما كانوا يوجهونه للمصلحة العامة, وأخيرا مشايخ وعلماء الأزهر الذين كان سينكشف للعيان أن صلاحيتهم لا تناسب العهد الحديث, أما الآن والتعبير للورد كرومر فإن مصر اصبحت جزءا من اوروبا وسوف تظل أبدا وطنا للأوروبيين والشرقيين ومغنما لأموالهم وأعمالهم, رغم حسد الشعب المصري المستعبد الذي توارثه العجم والإغريق والرومان والعرب والعثمانيون, ولا نجد مصلحة للعالم المتمدين تبرر رفعهم الي المستوي الذي يحكمون فيه أنفسهم! هذه النظرة الاستعلائية هي ما ثار عليها الضباط الاحرار عام1952 بقيادة جمال عبد الناصر الذي تمر اليوم43 عام علي رحيله, وهي الحركة التي وصف انجازها الدكتور أنور عبد الملك في كتابه المجتمع المصري والجيش حين قارن أحوال المصريين بين جمعتين: جمعة الاغتراب الطويل والفرجة وهم يثرثرون ويتفرجون علي وطنهم وهو يحترق فجر25 يناير1952, إلي جمعة الشرعية الشعبية حين تتحول الملايين إلي كتلة بشرية هادرة في كل قرية ومدينة تهتف مساء9 يونيو67 لا قائد إلا جمال ولا تتنحي ورافضة مسئوليته عن الهزيمة في إصرار علي أن زعيمها ادي امانته بشرف في مواجهة المؤامرة الدولية بلا خيانة أو عمالة, وبعد أن توقع العالم وأحفاد كرومر ليلتها فشل مصر وعودتها إلي دائرة النفوذ الغربي, سجل المصريون سابقة لم تحدث من قبل في التاريخ, حين وقف الشعب بإصرار إلي جوار قائده المنهزم. وبعد أن ردد المصريون في حريق القاهرة مصر خيرها لغيرها, عاد المصريون بعد15 سنة من حكم ثورة ناصر يهتفون بتحد: لا استعمار ولا دولار. لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف