منذ أن تولي الرئيبس الإيراني الجديد حسن روحاني مهام منصبه رسميا الشهر الماضي والحضور الإيراني في المشهد الدولي لا تخطئه عين, هذا الحضور لا يعود فقط للدور الإيراني المؤثر في الأزمة السورية محور اهتمام الدول الكبري وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة حاليا. وإنما يعود في الأساس إلي الإشارات الإيجابية الصادرة عن الإدارة الإيرانية مؤخرا بخصوص برنامجها النووي وإلي الإجراءات المفاجئة التي اتخذتها بالافراج عن بعض المعتقلين السياسيين وفي مقدمتهم المحامية والحقوقية المعروفة نسرين سوتودة ومعها عشرة آخرون وأخيرا المقابلة التليفزيونية التي أجراها روحاني مع شبكة' ان. بي. سي.' الأمريكية التي أعلن خلالها أن بلاده لن تسعي لامتلاك سلاح نووي, بل وعرض الوساطة بين نظام الأسد والمعارضة, الأمر الذي اعتبرته وسائل الإعلام الغربية هجوما دبلوماسيا إيرانيا باهرا ومفاجئا للجميع نجح فيه روحاني باقتدار. وبينما تزامنت هذه الخطوات مع الاعلان عن لقاء يجمع بين روحاني ونظيره الفرنسي فرانسوا أولاند علي هامش اجتماعات الأممالمتحدة ليكون أول لقاء بين رئيس فرنسي ورئيس إيراني منذ2005, وهو ما اعتبره المراقبون تتويجا لجهود وخطوات الانفتاح التي ينتهجها روحاني فإن هناك علي الجانب الاخر من يري أن هذا الخطاب المنفتح ليس كافيا لتبديد مخاوف وقلق المجتمع الدولي من البرنامج النووي الإيراني., بل وزاد المسئولون الغربيون علي ذلك بدعوة ايران الي الافعال بدلا من الأقوال, والمقصود بذلك الاجراءات العملية من جانب طهران لطمأنة الغرب واسرائيل أن برنامجها النووي لأغراض سلميه ولا يهدف لصنع سلاح نووي, رغم تأكيدات روحاني الواضحة خلال مقابلته مع الشبكة الأمريكية. ومع ذلك يشير المحللون إلي أن مبادرات روحاني لاقت في مجملها تجاوبا من الغرب, انعكس في التجاوب الحذر من قبل الإدارة الأمريكية, بعد الكشف عن الرسائل المتبادلة بين الرئيسين أوباما وروحاني التي وصفها الأخير بأنها رسائل ايجابية وبناءة, وهو ما اعتبر اشارات خجولة قد تبعث الأمل في استئناف الحوار بين الجانبين بعد عداء استمر لثلاثة عقود. ولكن بغض النظر عن امكانية حدوث تقدم في هذا المجال أو لا, فإن الشيء الذي اتفق عليه الجميع أن الخطوات الأخيرة التي اتخذها روحاني تظهر بوضوح رغبة إيرانية في تناول الملف النووي بشكل مختلف عن أسلوب الرئيس السابق أحمدي نجاد, رغم تشكيك البعض بأنهم سبق ورأوا هذا النوع من الاشارات الايجابية في عهد خاتمي وإن كانت لم تفض لتحقيق تقدم يذكر. أما الأمر الثاني فهو الخطوات التي اتخذها روحاني واعتبرت تعزيزا لسيطرته علي هذا الملف الشائك مثل تعيين وزير الخارجية محمد جواد ظريف مسئولا عن الملف النووي بحيث يرسل تقاريره لروحاني مباشرة مما يتيح له فرصة التحرك بهذا الملف للأمام, ثم الدعوة التي لفتت أنظار الجميع والخاصة بطلبه من الحرس الثوري الايراني الابتعاد عن ممارسة السياسة رغم ما هو معروف عن اعتيادهم لعب أدوار سياسية تحت قيادة المرشد العام. هذه الدعوة المجردة لم تكن تعني شيئا لولا أنها ترافقت في اليوم التالي بدعم المرشد العام علي خامنئي الذي أثني في خطاب له علي الدور الذي تلعبه الدبلوماسية داعيا لقدر من المرونة فيما يخص هذا الملف فيما اعتبر تأييدا من المرشد لهذا التوجه واشارة للمحافظين بعدم عرقلة جهود روحاني. كما اعتبر أيضا دليلا علي قدرته علي تدعيم موقعه الرئاسي خلال فترة وجيزة والسيطرة علي هذا الملف بتفويض مباشر من المرشد الأعلي, خاصة وأن روحاني عبر في أكثر من مناسبة عن اقتناعه بأن الخلاف حول الملف النووي الإيراني يمكن أن يحل عن طريق مزيد من الشفافية والثقة المتبادلة, وهو أمر سبق وعززه فوز روحاني الذي اعتبر في حينه علامة علي التحول البرجماتي لدي الإيرانيين ورغبة لدي الكثيرين للانتباه لمشاكلهم الاقتصادية وتقليل حدة المواجهه فيما يخص هذا الملف الشائك, وهو ما أثار موجة من الأمل في البحث عن فرص لحل هذا النزاع النووي بما يسمح برفع ولو جزئي للعقوبات التي أثرت بشدة علي الاقتصاد الإيراني. ومع ذلك ورغم هذه المؤشرات الايجابية مازال الحذر والتوجس حاضرين و بشدة, وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة روحاني علي إحداث تغيير حقيقي وحجم السلطة التي يتمتع بها لإحداث مثل هذا التغيير, فضلا عن مدي الدعم الذي يحظي به من المرشد خاصة فيما يتعلق باجراء محادثات ثنائية مع واشنطن, في حال حدوثها, رغم اعتقاد الكثيرين أن توازن القوة داخل النخبة السياسية الإيرانية كما أظهرته نتيجة الانتخابات يميل نحو مزيد من المرونة, وهو وضع يمكن أن يستمر اذا تجاوب الغرب بشكل عام والجانب الأمريكي بشكل خاص مع هذه المرونة. وهنا تأتي النقطة التالية الخاصة بردود الافعال الإسرائيلية والتي عكست الرفض السريع لتصريحات روحاني, واتهام إيران بأنها تسعي لكسب الوقت كي تتمكن من مواصلة العمل, حيث ظهرت رغبة إسرائيل الواضحة في رؤية الرئيس الجديد كامتداد للخط المتشدد الذي سبق وانتهجه نجاد, الأمر الذي يسهل الحملة التي تستهدف عزل إيران. فإسرائيل تخشي أن يجردها اعتدال إيران من لعب دور الضحية الذي استطاعت عن طريقه تأمين الدعم المادي والعسكري لها. وهو ما ألقي مزيدا من الأعباء علي الإدارة الأمريكية التي سعت لطمأنة الجانب الإسرائيلي بألا يكون هناك تخفيف للعقوبات علي طهران ما لم تتخذ الأخيرة خطوات ملموسة. وأيا كانت التطورات التي ستطرأ علي العلاقات بين إيران والغرب خلال الفترة المقبلة, ورغم القول بأنه من السابق لأوانه التفاؤل بحدوث تقدم لهذه العلاقة, فهناك اتفاق بين المراقبين علي انه مهما كانت الصعوبات والمعوقات فهناك لحظة لابد للجميع ان يتمسك بها, فربما تكون الآفاق الحالية للانفتاح هي الفرصة الأخيرة المواتية, وكما أن الغرب في حاجة لخطوات ايرانية جادة فإن روحاني كذلك سيحتاج لأكثر من الترحيب الغربي لمواجهة ضغوط المتشددين في الداخل.