في ظل المطالبة بصياغة خطاب ديني جديد ينأي بالمنابر عن الدخول في السياسة, ويواجه العنف والتشدد وفتاوي القتل باسم الدين, تتجه الأنظار إلي أئمة ودعاة وزارة الأوقاف. للوقوف علي رؤيتهم لآليات هذا الخطاب وأولوياته التي نحتاجها في هذه المرحلة, وكيف يلعب الخطاب الديني دورا مهما في تشكيل ثقافة المجتمع؟ وكيف يمكن لهذا الخطاب الإسهام تحقيق أمن المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا؟ علماء الدين يجبيون عن هذه الاسئلة في التحقيق التالي: في البداية يقول الشيخ أحمد ربيع, عضو مكتب رسالة الأزهر وإمام وخطيب بأوقاف القاهرة, إنه من المهم قبل الحديث عن أولويات الخطاب الديني في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا, أن نضع مجموعة من المنطلقات والمرتكزات التي يسير في ركابها الخطاب الديني في صياغة أولوياته في هذه المرحلة المهمة وهذه المرتكزات والمنطلقات هي وسطية المنهج, والمحافظة علي الثوابت الدينية, والهوية, وتأصيل الحق, وصياغة مشروع نهضوي. وأوضح أن وسطية المنهج تبتعد بنا عن الشطط والخلل والإفراط والتفريط وتجعلنا أهل رفق وإحسان وعمارة وعمران, نقدر بها قيم الحوار والاختلاف ونؤسس بها للتعددية والتنوع, كما أن المحافظة علي الثوابت تصون المعتقد والشرع من التبديل والتغيير وتحمي أمن وسلامة المجتمع وتمنع المزايدة علي الدعاة بأنهم باعوا أخراهم بدنياهم, والمحافظة علي الهوية تكون بالتأكيد علي مكوناتها وهي الدين واللغة والثقافة, وديننا الإسلامي ولغتنا العربية وثقافتنا الجامعة لموروثنا الحضاري, لهذا الشعب حيث يعيش غير المسلم في كنف المسلم شركاء تاريخ وحاضر ومستقبل, وهي تلك الخصوصية التي جعلت الإمام الشافعي يضع مذهبا فقهيا جديدا يتلاءم مع فقه هذه الأمة, لأن إدراك هذه الخصوصية يحفظ المجتمع من الانقسام والتفكك. كما يجب أن ينطلق الخطاب الديني من تأصيل قيم الحق والعدالة والمساواة بين الشرائح والطبقات, والتأسيس لمشروع نهضة حقيقي يأخذنا نحو المستقبل ويدرك قيمة العلم والبحث العلمي وصناعة المعرفة ويدعو إلي التفكير والإبداع والعمل والإنتاج وترتيب الأولويات ووضع خطط تأخذ الأمة من التخلف إلي التقدم. بناء الساجد قبل المساجد ويشير الشيخ ربيع, إلي أن أولويات الخطاب الديني في هذه المرحلة يجب أن ترتكز علي إيجاد الوعي في الأمة, وتقديم الضروريات علي ما عداها, وتأصيل وحفظ مقاصد الشريعة, وتأكيد وتفعيل واستتباب الأمن والتأكيد علي ما يجمع وترك ما يفرق, ودرء وإخماد الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط, وربط قضايا التنمية بالخطاب الديني, وإحداث ثورة قيمية وأخلاقية من الجذور, بما يؤسس لقيم الحوار والاختلاف والتنوع والتسامح والتعاون والصدق والأمانة والبر والإتقان والإخلاص والانتماء والرحمة والتكافل والعدل والإحسان والإعمار والبناء. والأهم من كل ذلك هو بناء الساجد قبل المساجد, ونشر ثقافة الحب وزراعة المحبة بدلا من زراعة الكراهية التي انتشرت بيننا, وقبل ذلك وبعده التحذير من الشقاق والاختلاف والتعصب والاعتداء علي الممتلكات العامة والخاصة, والدعوة إلي المحافظة علي مصر الدولة والشعب والتاريخ من السقوط, خاصة أن أعداء الأمة يترصدون بها من كل جانب. أولويات الداعية ويري الشيخ عبدالخالق عطيفي, المفتش العام بأوقاف القاهرة, أن موقف الداعية في هذه الأيام شديد الأهمية, والحساسية, فالداعية الذي يرتقي منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا يستطيع أن ينفصل عن واقع الناس بحال من الأحوال, فهو يدرك مقدار ما حدث من شروخ, وتشققات في العلاقات الاجتماعية, ليس علي المستوي العام فحسب, بل علي المستوي الأسري أيضا, فانتقل الاحتقان السياسي إلي البيوت فاحتد الأخ علي أخيه, وعنف الزوج زوجه, وسفه الولد أباه, وأصبح الداعية بين كل ذلك يتحسس كل كلمة تخرج من فيه, حتي لا يثير نزاعا أو شقاقا بين المصلين, مدركا أنه يقف علي منبر من وصفه ربه بقولهوما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ووصف النبي صلي الله عليه وسلم- علاقته بالأمة بقوله( إنما أنا لكم مثل الوالد, أعلمكم... الحديث) رواه أحمد. وأضاف قائلا: من هذا المنطلق يجب أن يحدد الداعية أولويات خطابه الديني فيدرك أن مهمته الأولي في هذه المرحلة من عمر الوطن هي ترميم العلاقات الإنسانية, وإعادة اللحمة الدينية, والوطنية للمجتمع ولا يتم له ذلك إلا بعدة أمور, أولها: أن يغرس في الناس قيمة الكلمة الطيبة ومكانتها من الدين مستصحبا في ذلك قول الله تعالي: وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا وقوله: وقولوا للناس حسنا وقوله: ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون, وثانيها التنزه عن السب والطعن واللعن وما يستتبعه من تخوين وتكفير وتجهيل, وقد قال صلي الله عليه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده, وفي رواية من سلم الناس من لسانه ويده وقال:ليس المؤمن بالطعان, ولا اللعان, ولا بالفاحش, ولا بالبذيء وقال: يعرف المؤمن بوقاره, ولين كلامه, وصدق حديثه. مواجهة الفتنة والانقسام أما الشيخ محمد عبدالعال الدومي, إمام وخطيب مسجد مصطفي محمود بالمهندسين, فيري أن الخطيب طبيب ومهمته أن يجمع الناس خلفه ولا يفرقهم فهو إمام لكل المسلمين بكل تياراتهم وأفكارهم وانتماءاتهم ومواقفهم, والإسلام الصحيح يسع الجميع, أما التشرذم والفرقة والاختلاف والتناحر فليس من الإسلام وإنما هو من دعاوي الجاهلية التي جاء الإسلام لينبذها وليربي الناس علي سعة الصدر وقبول المخالف في الرأي وأن الحياة ليست لرأي واحد بل الأصل هو التعدد والاختلاف لكنه الاختلاف المكمل, ليستفيد بعضنا من بعض, قال تعالي ولا يزالون مختلفين وقال تعالي: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا.