اتفق علماء الأزهر على الحاجة إلى خطاب دينى متجدد، وبعيد عن التشدد والتخريف والتأويل، خاصة فى ظل الأزمات التى تعانى منها الأمة الآن والتى يعود جزء كبير منها إلى تراجع الخطاب الدينى الوسطى الذى امتازت به مصر الأزهر على مدى تاريخها، موضحين ملامح الخطاب الدينى الذى نحتاج إليه وكيف يمكن أن نتوصل إليه. د. حامد أبو طالب الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية يرى أن الخطاب الدينى بشتى صوره من خطابة وكتابة ودراما وغير ذلك من الوسائل يحتاج إلى وقفة لتنقية الخطاب الدينى ورده إلى الطريق الصحيح السليم.. وذلك أن كثيرا من الدعاة يوظفون الخطاب الدينى للوصول إلى أهداف معينة سواء كانت سياسية أو حزبية أو فئوية، بالرغم من أن الخطاب الدينى هو فى الأساس موجه ومخصص للدعوة إلى الله.. مشيرًا إلى أن كل ما يخالف ذلك هو خطأ، ويجب الابتعاد عنه. وأضاف أبو طالب يجب على الدعاة والإعلاميين وكل من يعمل فى العمل الدعوى أن يقتصر خطابهم على الدعوة إلى الله تعالى وعدم توظيفه لتحقيق أهداف سياسية، فيأتى بنتيجة عكسية غير المرجوة منه.. وهذا يبدو جليا عندما ترى أن هناك بعض المساجد التى أخطأ فيها الدعاة وتحدثوا عن السياسة ومالوا إلى طرف على حساب الآخر، ونسى الإمام أو الداعية أنه قد يكون من بين من يستمعون إليه من يميل للطرف الآخر، فأصبحت مساجلة بين المصلين كل حسب هواه وميوله السياسية، حتى أصبح المسجد مجالا للشقاق والسجال والتشاجر بدلًا من أن يكون مكانا للهدوء والسكينة. وتابع: إن كل هذه الشجارات التى نراها سببها خطأ إمام أو داعية دنس دعوته بالميل إلى السياسة وإلى اتجاه معين. منهج القرآن ويرى د. أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء أن الخطاب الدينى يجب أن يكون وفق المنهج الذى رسمه القرآن الكريم فى قوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.. وأن يبتعد عن العنف ويأخذ منهج التسامح الذى طبقه رسول الله (صلى الله عليه وسلم ). وأكد هاشم أن الخطاب الدينى يجب أن يكون صاحبه قدوة، ويؤثر فى الناس بشكل أكثر إيجابية، فجانب القدوة والسلوك له تأثير كبير، مضيفًا أن على القائم بالخطاب الدينى أن يخاطب الناس بألسنتهم فيقول (صلى الله عليه وسلم ):(ما بال الناس يقولون كذا وكذا..) وبهذا يكون الخطاب وفق الوسطية التى دعا إليها الإسلام فى القرآن والسُنة النبوية. وتابع: لا بد أيضًا أن يتضمن الخطاب الدينى الدعوة إلى الإخلاص والتوبة والرجوع إلى الله، لافتًا إلى أن هناك قاعدة شرعية تقول:(لا ينزل بلاء على أمة إلا بذنب.. ولا يكشف عنها إلا بتوبة). وطالب هاشم بضرورة أن يتبنى الخطاب الدينى آليات تقضى على الكراهية والصراع على حطام الدنيا، مؤكدًا فى نفس الوقت على ضرورة احتضان طاقة الشباب وتوجيهها نحو الصالح العام وبناء المجتمع للانتقال إلى مرحلة جديدة تبنى على احترام الرأى والرأى الآخر. تحرير الفكر فى حين يرى د. بكر زكى عوض عميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر أن قضية تجديد الخطاب الدينى لا يمكن حصرها فى سطور قليلة لما لها من أهمية كبرى، لكن هذا الأمر يمكن اختصاره فى كيفية تحرير الفكر الإسلامى من الخرافات والأساطير، وكيف يطرح الدين الإسلامى كما أنزله الله عز وجل؟ وكيف يحول الدين من كونه محذرًا إلى كونه فاعلا فى المجتمع؟ وكذا التأكيد على أن زمن الولاء والطاعة العمياء قد ولّى وانتهى.. فلا تكون إمعة، وزمن الزهد بالمفهوم الذى تعارفت عليه الطوائف قد ولّى. وتابع: بينما كنا نحرص على تجديد الخطاب الدينى وجدنا التدريب الأخير للأئمة يقوم به إما من ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين وإما دعاة سلفية، وبالتالى لم يكن هناك أى تجديد، ولم ترتكز إلا على توحيد الألوهية والربوبية لله، مؤكدًا أن هذا لو غاب عن المسلم ما ضره فى عقيدته. وأشار د. بكر إلى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم ) جاء ليجدد الخطاب الدينى وتركنا على المحجة البيضاء، فالقرآن محفوظ والسُنة النبوية جند لها المولى عز وجل ما نقاها، وصفاها، لكن علينا أن نعلم أن الفكر فيه اختلاف.. فإذا أعطيت مقدمات سليمة ستجنى فكرًا سليمًا. أما إذا أعطيت غير ذلك، فستجد ما نعانى منه الآن. رسالة موجهة أما د. حمدى طه الأستاذ بجامعة الأزهر فعرّف الخطاب الدينى بأنه عبارة عن رسالة موجهة من الخطيب أو المتحدث تحمل فى طياتها شرحا لهذا الدين، وأساس الخطاب فيه قوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، مؤكدًا أن الخطاب لو تعدى هذه النقاط الثلاث يخرج عما هو متعارف عليه ولا يحقق الهدف المرجو منه. وقال إن الضرر فى عدم تطوير الخطاب الدينى أن هناك اتجاهات معينة لبعض القنوات الفضائية إحدى وسائل نشر هذا الخطاب، والتى تقوم بدورها فى توجيه هؤلاء الخطباء وفق سياساتها، لكن إذا رجعنا إلى خطباء المساجد فتجد أن أغلبهم حديثو التخرج وصعدوا إلى المنابر دون دراية بالرأى العام الذى يخاطبونه، وكذلك درايتهم بكيفية لقاء الجماهير أو مخاطبتهم. وطالب د. طه وزارة الأوقاف بأن تسلك منهج نقابتى المهندسين والمحامين وألا يصعد المنبر حديثو التخرج إلا بعد أن يتم إلحاقهم بأحد الأئمة الكبار ممن لهم مدارس فى الخطابة أو بأحد أساتذة الجامعة الذى يلقى خطبا فى المساجد ليتعلموا منهم على ألا تقل هذه الفترة عن 3 سنوات، ثم يتم تعيينه، كما طالب بضرورة عقد دورات تدريبية لهؤلاء الخطباء لتثقيفهم، حتى يكون ملما ببعض آراء العلماء فى القضايا الخلافية، وأن يدركوا الفرق بين الوعظ والإفتاء، مؤكدًا أنه لا يجوز أن يفتى فى الأمور المختلف فيها أو المستحدثة وهو لم يقرأ سوى كتابين ولا يعرف طبيعة الناس الذين يخاطبهم، مما قد يتسبب فى حدوث بلبلة. وشدد د. حمدى على ضرورة أن يتعلم الخطباء عندما يصعدون المنبر لغة الفئة التى يتحدثون إليهم، فهناك قاعدة تقول:(من عرف لغة قوم آمن شرهم) وكذا ضرورة توفير الكتب العلمية لهؤلاء الخطباء قبل أن يقوموا بالخطاب الدينى. مؤكدًا أننا لو استطعنا أن ننفذ هذه الأمور، فسيكون من شأنها تطوير الخطاب الدينى، فهناك قضايا يجب أن يلم بها هؤلاء الدعاة وهى عدم التعريض بالآخرين وعدم الخوض فى القضايا الخلافية وأن يقدم الخطاب بطريقة سهلة وبعيدة عن الغلو والتشدد والإفراط. أسس واضحة أما د. أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر فيرى ضرورة وجود خطاب دينى واضح المعالم والأسس، خاصة فى هذا التوقيت وفى هذه المرحلة الحرجة التى تمر بها البلاد، لافتًا إلى ضرورة توضيح معنى الخطاب الدينى أو تحديثه للابتعاد عن المفاهيم الفضفاضة فى تطوير الخطاب. وأشار د. كريمة إلى أن الخطاب الدينى بحاجة إلى دراسة متأنية لوضع مفهوم ومقاصد وقواعد صريحة، مؤكدًا أن ذلك لن يأتى بعقد المؤتمرات، أو إصدار توصيات أو بيانات أو مؤلفات تنشر وتؤرخ فقط، لكننا نحتاج أيضًا لوضع شروط لتطويره وفقًا لأسس ومعايير وقواعد نابعة من ديننا الحنيف متمثلًا فى القرآن الكريم والسُنة النبوية.