في مشهد غاية في البؤس تجمهرمئات المواطنين وغالبيتهم من النساء أمام أحد منافذ صرف المعاشات, كانت الساعة تقترب من السابعة صباحا, وكان هذا هو اليوم الثالث الذي يحاولون فيه صرف معاشهم الذي لا يتجاوز100 جنيه. انهم مستحقو معاش السادات الذين يقدر عددهم بنحو14 مليون أسرة علي مستوي الجمهورية. الواقفون في الطابور الطويل لا يخفون غضبهم واستياءهم من الزحام والحر والانتظار الطويل, ولكن ماذا يفعلون فهذا هو مصدر دخلهم الوحيد. كل مستحقي معاش السادات او معاش الضمان تجاوزوا سن ال65 عاما وليس لديهم مصدر آخر للدخل سواءأجر أو معاش تأميني أو نفقة في حالة المطلقات, والمعاش تتراوح قيمته بين60 و80 جنيها شهريا حسب عدد أفراد كل أسرة فضلا عن منحة دراسية قيمتها20 جنيها وبحد أقصي100 جنيه شهريا للأسرالتي لديها أبناء بالتعليم الأساسي أو الثانوي. تحدث مستحقو المعاشات عنسيدة مسنةانتظرت داخل المبني لساعات في اليوم السابق لتخرج منه مغشيا عليها, كما تحدثوا عن رجل حضر لصرف المعاشمن قسم العناية المركزة بأحد المستشفيات وعاد إلي منزله أو ربما إلي المستشفي خاوي اليدين. معاناة الناس يصعب تفسيرها لكن هذا هو ما يحدث في كل شهر, بل ان وزارة المالية حرمت مستحقي المعاشات لأشهر من صرف معاشاتهم لحين استصداربطاقات تؤكد استحقاقهم للمعاش وتنظم عملية الصرف, بل ان الزيادة الوحيدة التي حصلوا عليها بعد25 يناير لم تتجاوز15%, المأساة يحكيها هؤلاء في السطور التالية... كريمة رجب(80 سنة) تسكن بمنطقة روض الفرج, تتقاضي معاش السادات91 جنيها و تعاني الأمرين لكي تحصل علي هذا المعاش الضئيل و تشكو من إهانة الموظفين لها وبعد ان تأخذ الفلوس باديها تبدا التساؤل: دول هيقضوا إيه ولا إيه, فأنا احتاج لقسطرة بمبلغ55 جنيها, ناهيك عن مصاريف الطعام والشراب أما الماويليلي عبدالمعطي تحصل علي195 جنيها كجزء من معاش والدها والذي تتقاسمه مع زوجته تقول ليس لي دخل آخر, أعاني الزحام في طابور المعاش وبألعن اليوم الذي ولدت فيه وتؤكد انها اخذت حقنة مسكنة قبل ذهابها لصرف المعاش لكي تستطيع أن تواصل وتطالب المسئول بوضع نفسه مكانها بأن يستطيع توفير الطعام والعلاج ودفع الايجار ومصاريف الحياة والكهرباء بالمعاش الذي اتقاضاه, وبعد نوبة بكاء شديدة تصرخ قائلة زهقت من حياتي, كلها طوابير والمفروض يحسوا بينا شوية, سمعت عن المليارات التي اتسرقت من البلد وبقول حسبي الله ونعم الوكيل. وتضيف انتصار حسن انها تحصل علي125 جنيها معاش والدها لتنفق منها, تقول: أضيع يوما كاملا من اجل صرف المعاش, مؤكدة أنها ليس لديها دخل آخر غيره وتبيع مشابك الغسيل أمام البيت حتي تسد باقي احتياجات إبنتها الصغيرة وتوضح انها لا تخضع للتأمين الصحي وتعيش في حجرة في بيت والدها, وتضيف أنها بكت من الفرحة عندما قامت الثورة علي أمل التغيير, خاصة ان الغلابة في بلدي كثيرون واغلبهم ينام من غير طعام ولكن الوضع اصبح أسود مما كان. تتسأل جملات عبد الرحمن أين حقي في هذه البلد فلا كرامة ولا شبع ولا أمان؟ فأنا أتقاضي146 جنيها معاشا لأنفق منها علي ابني الطالب بالمدرسة, وتقول بصوت يملؤه الحزن كرهت حياتي كلها فالايام طويلة وكلها ديون. أما هانم مصطفي فتقول: اتقاضي140 جنيها وليس لدي دخل آخر والحياة ماشية يا دوب علي قد الحال وبعد ان كبر ابني واصبح يساعدني علي المعيشة, جائني يوم28 يناير مصابا بكسر في عظمة الفخذ وتم تركيب مسمار له وبدأت الدوامة من جديد فبعد ان كان يساعدني في المصاريف اصبحت عائله من جديد وعلي علاجه. ويروي فوزي عبد العزيز70 عاما رحلة عذابه عندما فكر الذهاب إلي البنك وطلب قرضا قيمته5 آلاف جنيه لكي يستطيع تجهيز ابنته علي امل أن الأمر سهل وأنه سوف يحصل علي القرض بعد أسبوع أو أسبوعين ولكنه فوجئ بالشروط المطلوبة, أهمها شرط الضامن يجب ان يكون موظفا حكوميا ولا تقل مدة خدمته عن5 سنوات ويمنع من السفر والحصول علي إجازة بدون مرتب حتي انتهاء فترة السداد. ويستكمل حديثه قائلا: لم أجد أحدا يوافق علي هذه الشروط إلا مقابل جزء من القرض ويشير الحاج علي الجندي إلي ان هذا المعاش الضئيل الذي لا يكفي شراء ابسط مطالب الحياة لا يستحمل اي خصومات, خاصة اننا نفاجأ بخصومات إدارية نظير الخدمة ولا ندري ماهي الخدمة التي تقدم لنا, فنحن نعاني من طوابير انتظار وسوء معاملة من جانب الموظفين العاملين وضيق اماكن الانتظار ممايعرضنا لحالات اغماء كثيرة خاصة واننا كبار سن ونعاني الكثير من الامراض.