يمر الوطن المصري بمرحلة فارقة الخيار فيها أن يكون أو لا يكون تحاصره تهديدات تقودها عصابة من الخوارج المحسوبين عليه, متمثلة بصفة أساسية في جماعة الإخوان المتأسلمين, منذ أن أخرجتها مخططات شيطانية مدعومة من أعداء الأمة في الثامن والعشرين من يناير2011, من دائرة المحظور فراحت تعيث في الأرض فسادا وإفسادا وتستدعي وتجدد ممارساتها الإرهابية, وتعلن الحرب علي الدولة المصرية وشعبها; تحرق وتدمر وتقتل وتشهر السلاح في وجه جيش البلاد وشرطتها, وتحطم التراث وتشوه الهوية والموروث, وتتخابر مع الأجنبي وتستقوي به وتتآمر علي السيادة وتثير الفتن وتنزع إلي الطائفية. ماذا كانت إذن المقاصد الكلية من تصعيد ذاك الفصيل وتمكينه من السلطة والإمساك بمفاصل الدولة المصرية؟, يمكن التركيز علي ثلاثة أهداف إستراتيجية مركزية: الأول إستغلال حرص الجماعة علي الحكم, بأي ثمن, وشهوتها إلي السلطة, بأي مقابل, تعززه غياب الرؤي وانعدام الخبرة والجهل بأي ثوابت للسياسة الخارجية, المصرية منها والدولية, وتوظيف هذه الحالة المكيافيلية الغارقة في التردي لتمرير تعهدات واتفاقيات تيسر للقوي الدولية المساندة, وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية, تسوية صراعات إقليمية علي حساب السيادة والأرض المصرية مثل استقطاع جزء من شبه جزيرة سيناء لإقامة دويلة موسعة( إمارة إسلامية) في قطاع غزة يجري بموجبها تصفية القضية الفلسطينية, وكذلك استقطاع منطقة حلايب وشلاتين المصرية في أقصي الجنوب لصالح جمهورية السودان مقابل تنازل الأخيرة عن منطقة دارفور لصالح دولة جنوب السودان. والهدف الثاني تقزيم الدور التاريخي الريادي لمصر في محيطها العربي وفي الإقليم لصالح عملاء وحلفاء الدولة العظمي وفي مقدمتها تركيا وإسرائيل ودويلة قطر التي علقت بذيل القائمة. أما الهدف الثالث فيتمثل في إفساح فرص أكبر لتشكيل شرق أوسط جديد يضمن أمن إسرائيل وتطبيع العلاقات معه, وتمكينها من لعب الدور المحوري في الإقليم. ومن هنا يمكن القول إن الفزع الغربي من الثورة ليس بالضرورة لفقدان حليف, يحظي بقدر كبير من الغباء السياسي, بل في المقام الأول لأن المشروع المخطط له قد سقط وإلي الأبد.. والآن, جماعة هكذا حالها, الدين وسيلة يخدعون بها ويخادعون; والإرهاب سلاح يروعون به ويقتلون, والكذب هواء ملوث يتنفسون به وينافقون; وهكذا علاقتها العميلة مع أعداء الأمة, وهكذا كان حجم تفريطها في الأرض والسيادة والثوابت والمقدرات واستباحتها الدماء وإعلان حرب شرسة علي الدولة والشعب, هل يمكن التصالح معها؟! سلوا المتباكين عن سابقة تصالحت فيها دولة مع الإرهاب, مع وجوب الالتفات إلي أن ما تعرضت له الدولة المصرية وما تواجهه وشعبها اليوم تتار بربري إرهابي عالمي متجدد وغير مسبوق في استهدافه وحجمه وآثاره. إن الحديث عن المصالحة مع الإرهاب يكشف عن ترد في الفكر وتآمر علي الوطن وتفريط في السيادة. مثلا, هل تصالحت الدولة العظمي مع إرهاب محدد الهدف ومحدود الأثر ضربها في الحادي عشر من سبتمبر2001 ؟ إنه لم يستهدف إسقاط الدولة, ولم يشهر السلاح في مواجهتها, ولم يتآمر علي الأرض والسيادة. لماذا يطالبون مصر اليوم ويحرضونها علي التصالح وعدم الإقصاء مع رأس الإرهاب الدولي ومركز قيادته وإفساح المجال لعصاباته للانخراط في العملية السياسية وممارسة دورهم الفاشي الذي يعادي الدولة الوطنية المدنية وينكر شرعيتها من الأساس؟ أحلال عليهم محاربة الإرهاب الأصغر وحرام علينا مواجهة الإرهاب الأكبر؟ إن كنتم تجهلون حجم الكارثة فتلك مصيبة, وإن كنتم تريدون إعادة عقارب الساعة إلي الوراء وتجديد استزراع بؤر السرطان فإن المصيبة تكون أعظم. هل نسيتم تاريخا ممتدا لإرهاب تلك الجماعة منذ أربعينيات القرن الماضي, والذي شمل اغتيال ومحاولات اغتيال لعدد من الرموز السياسية والقضائية والأمنية والدينية والأدبية كان آخرها المحاولة الفاشلة لاغتيال وزير داخلية مصر في صباح الخامس من سبتمبر الحالي, والتي تكشف عن إرهاب دولي منظم تجاوز ترويع المواطنين إلي مؤسسات الدولة ورموزها, ومن ثم توافرت عناصره بحسب تعريف المحكمة الجنائية الدولية الصادر في16 فبراير.2011 سلوا الأم المكلومة علي شهيدها. نحن أمام أمة تصر علي ممارسة حقها الطبيعي, الديني والقانوني والأخلاقي, للثأر لشهدائها ولسيادتها. وتلك حالة لا تصح فيها الإنابة لغير القضاء, بما في ذلك الفصل في مشروعية استمرار تلك الجماعة وجمعيتها وحزبها السياسي ذات المرجعية الدينية, ويمتنع علي أي جهة أخري تنصيب نفسها حكما في هكذا موضوع لصيق الصلة ليس فقط بالحقوق الأساسية للإنسان, بل أيضا باعتبارات هيبة الدولة وأمنها القومي وتلك كلها لا تسقط بالتقادم. ومع ذلك, وباستثناء من تدينهم أحكام قضائية نهائية تتوافر لها كل مقتضيات العدالة الناجزة, فإن التصالح والسماح بالاندماج في المجتمع, يتعين أن ينصرف إلي الثقافة والفكر والسلوك والتخلص من أوزار الماضي ونبد العنف والتخلي عنه بكل أشكاله والتوبة والاعتذار والرغبة الخالصة للانخراط في الجماعة الوطنية والانصياع لقواعد ومعايير العقد الاجتماعي الجمعي للأمة. ويكون علي أولئك المخدوعين, الذين أبطلت الضلالة وعطل التضليل مفعول عقولهم, أو أفقدهم الجهل القدرة علي التفكير السليم, أو انحرف الفقر والعوز بإرادتهم, إجراء مراجعات تستلهم صحيح الدين وواقع الأمة وحقوق الوطن, واتخاذ المبادرة علي النحو الموصوف. فالوطن أكبر من أن يستجدي العودة إليه ولكن علي الراغبين السعي بإخلاص, ويومها سوف يجدون الترحاب والدفء في أحضان وطن يتسع للجميع بدون تمييز أو إقصاء. بغير ذلك يكون التصالح خداعا مفرغ المضمون يبقي علي النار تحت الرماد ويغري علي المزيد من الإرهاب, ويؤسس لموجات منه, ويظل الوطن قلقا مهددا رهينة التآمر والمفاجآت, مع ما لذلك من آثار كارثية.. الآن نفد الصبر وحان الحسم ووجب الخلاص ولا موقع للمرتعشين أو المترددين.. فعندما يكون الوطن في خطر فكل عمل لحمايته مشروع وكل تخاذل تفريط في السيادة وخيانة عظمي. لمزيد من مقالات د.عبد الحافظ الكردى