كنا أربعة اشخاص, وبالصدفة نعبر عن التوجهات المتعارف عليها المتنوعة.. الليبرالي النسبي حيث الديمقراطية تتقدم علي كل شيء, واليساري الباحث عن العدل وعينه علي صراع المصالح, والديني الحالم بالاستقامة في كل مناحي الحياة. تحدثنا في الكثير من الأمور. ومن ضمن ما تحدثنا تناولنا موضوع الدستور. وبعد أن أنفقنا الكثير حول الآليات والمعايير. عاد بنا أحد الحاضرين إلي فلسفة الكتابة الدستورية...وأنها هي لب القضية...وسأل أحد الحاضرين الشخص الذي تحدث عن فلسفة الكتابة الدستورية: هل تقصد طول الدستور أو قصره؟ أجاب المسألة ليست: خيارا بين الطول والقصر؟ وإنما ما الذي يجب أن يتضمنه النص, وعن اي عقلية يجب أن يعبر, وكيف يكون الدستور الجديد خطوة للأمام في مسيرة الدساتير الوطنية من جانب, ويواكب دساتير الموجة الرابعة من جانب آخر, ويقينا كيف لا يكون متخلفا عن الموجات الحقوقية وما تتضمنه من حريات من جانب ثالث. واستطرد المجيب سريعا, قبل طرح أي سؤال جديد. لابد من فهم أن هناك جيلا رابعا من الدساتير يميل إلي التطويل. ليس من أجل التطويل في ذاته وإنما لأن المجتمع بات من التعقيد والتشابك من حيث العلاقات والمصالح, كذلك أصبح متطورا من حيث طبيعة النظام الاقتصادي وما يترتب عليه من علاقات انتاج متطورة, وأخيرا تطورات سياسية ومدنية أنتجت أشكالا من التنظيمات غير النمطية. هذا بالإضافة إلي التقدم المطرد في عالم الاتصالات بعناصره المتواكبة والحاضرة للتشغيل لتلبية عدة أوامر تقنية نتيجة ضغطة زر واحدة في لحظة زمنية طائرة. وعليه لابد أن يمتنع هؤلاء الذين ينتمون لثقافة دساتير الموجة الاولي عن تسويق الحديث عن الدستور القصير لأن ذلك كان يعبر عن مرحلة زمنية بسيطة فقطعا دستور الولاياتالمتحدةالأمريكية وقت الاستقلال أو دستور الثورة الفرنسية لا يعبران إلا عن زمنهما: طبقيا, واقتصاديا, واجتماعيا, وتكنولوجيا,وثقافيا,ودينيا..الخ. ولا ينبغي أن تحكمنا في كتابة دستورنا دستور العقد الثاني من القرن ال21 معايير المدرسة الفرنسية التقليدية في موجتها العلمية الأولي, خاصة وأن التطور الذي لحق بالكثير من البلدان مثل: البرازيل,والهند, وجنوب إفريقيا, وماليزيا, وتركيا, وتشيلي..الخ,قد طور من مدارس الفقه الدستوري التقليدية كثيرا. وهو ما جعلنا نميز بين أنواع الدساتير, وان نرصد الموجات الأربع الدستورية: بالبحث والكتابة. ويبدو أن المتحدث كان متحمسا بالدرجة التي امتنع فيها الحاضرون عن التعليق, لسبب أو لآخر, انتهز, في ظني, المتحدث الفرصة وواصل حديثه قائلا: ويكفي أن أشير إلي أمرين هنا في هذا المقام: الأول: لابد أن يعبر النص الدستوري عما يعرف في الفقه الدستوري: بالعقل العام للوطن في ضوء الحركة الميدانية. ولتقريب الفكرة إذا ما دعي أربعتكم لوضع الدستور, لابد ان يجتهد كل طرف وفق رؤيته أن يضعها مع رؤي الآخرين لاستخراج رؤية مركبة تعبر عن مجموع العقل العام للوطن بغض النظر عن الأوزان النسبية الانتخابية أو الكمية, ولا يصح أن يبتز أي طرف الطرف الآخر لأي سبب من الأسباب. وبالطبع عملية التعبير عن العقل العام للوطن, هي عملية مركبة...فهي تعبير: حاصل ضرب الهوية لا الجمع. وتنظيمات مجتمعية تحقق المساواة في المواطنة بين الجميع. ومصالحة تاريخية توازن بين من يملك ومن لا يملك. وتوازن دقيق لدور الدولة مع تكوينات المجتمع المدني: القديمة والجديدة. وتقييد وضبط للسلطات. وإدماج الجميع: أفرادا ومؤسسات في عملية تحديث شاملة.. وأمور أخري كثيرة. الثاني: مما سبق أصبحت هناك ضرورة للحديث عن الإطار القانوني وإن أمكن تفصيلا لكل المبادئ الدستورية. فلم يعد يكفي أن نتحدث عن الحكم المحلي واللامركزية والمشاركة الشعبية في نصوص دستورية, والحديث عن القوانين المنظمة لاحقا...ذلك لأن البيروقراطية المصرية قد تكون لها مصلحة في إعاقة تطور الحكم المحلي أو أن يبقي الحال علي ما هو عليه. استأذن المتكلم بخجل أن يقول كلمة أخيرة, لأنه ادرك انه أطال في الحديث علي غير عادته. إن تحقيق ما سبق كان لابد ان يسبقه قدر من التمارين الذهنية التي تسبق الحوارات الدستورية. تمارين تتعلق بالقضايا والأولويات وكيفية تناولتها الخبرة الدستورية التاريخية الوطنية والمقارن, حتي تضع إطارا حاكما للنقاش يعصمه من التجاذبات السياسية التي لا تري إلا عقلها الخاص; أو مصالحها الخاصة, أو لا تدرك عظمة تراثها الحضاري والدستوري, أو غير ملمة بجديد العالم الدستوري والحقوقي, كما تحميه من صياغات ذات طبيعة حرفية منبتة الصلة بالواقع.. ونواصل. لمزيد من مقالات سمير مرقس