يمكن أن يقال عن القرن العشرين وهو يقترب من النهاية في عام1996 إنه عصر السلام الزائف. فقد قال الرئيس السادات إن حرب أكتوبر1973 هي آخر الحروب فإذا بحرب الخليج تشتعل في عامي1991,1990 وإذا بالاقتتال الداخلي بين شعب البلد الواحد يندلع في العراق واليمن والصومال وسوريا, واذا بالتهديد بإشعال حرب نووية بين القوتين العظميين يدفع ستة من أعضاء الكونجرس الأمريكي إلي الكتابة إلي الرئيس ريجان في19 ابريل1984 من أجل الضغط عليه حتي يستجيب لشعار الامتناع عن الضربة الأولي النووية. والسؤال إذن: لماذا توهم الرئيس السادات أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب, وأن السلام بعد ذلك هو السلام الدائم الذي توهم كانط فيلسوف ألمانيا العظيم في القرن الثامن عشر أنه أمر ممكن؟ جوابي أن وهم الرئيس السادات مردود إلي أنه لم يكن علي وعي بالأصولية الدينية التي استند إليها في تدعيم سلطته بعد القضاء علي التيارات التي كانت تقاومها من يسارية وشيوعية وناصرية, إذ من شأن الأصولية أن دعوتها إلي الحرب هي دعوة ضرورية بحكم امتلاكها الحقيقة المطلقة التي تدخل في عداوة حتمية مع كل من يدعو إلي حقيقة مطلقة مغايرة. ومعني ذلك أن الأصولي هو قاتل بالضرورة. والسؤال إذن: هل سيادة الأصوليات الدينية تعني سيادة فكرة الحرب, كما يعني زوالها زوال الحرب؟ للجواب عن هذا السؤال كان اقتراحي للجمعية الفلسفية الأفروآسيوية بأن تعقد مؤتمرا فلسفيا دوليا تحت عنوان الإبداع والسلام العالمي, وقد كان, إذ انعقد في عام1996 بالقاهرة تحت رعاية اليونسكو ووزارة الخارجية ومعهد جوتة. واللافت للانتباه هاهنا أن رسالة مدير اليونسكو فدريكو مايور إلي المؤتمر جاء فيها أن من رأي اليونسكو أن تأسيس السلام متجذر في تعليم البشر أجمعين, لأن التعليم هو الذي ينقلنا من منطق القوة إلي قوة العقل, ومن ثقافة الحرب إلي ثقافة السلام. ولا أدل علي ذلك مما جاء في مفتتح ميثاق اليونسكو من أنه إذا كانت الحروب تنشأ في عقول البشر فان عقول البشر هي المنوطة بالدفاع عن السلام. وهنا قال أينشتين: إن انطلاق الطاقة الذرية قد غير كل شيء ما عدا شيئا واحدا وهو أساليب التفكير, ومن ثم فنحن مندفعون نحو كوارث ليس لها مثيل. وبناء علي هذين النصين فانه يمكن القول إن العقل يمكن أن يدفعنا إلي إشعال الحرب كما يمكنه أن يدفعنا إلي تأسيس السلام. وإذا كان العقل يستند في الحالتين إلي منطق فالسؤال اذن: ما هو منطق السلام أو بالأدق ما هو منطق السلام العالمي؟ كان هذا السؤال هو عنوان بحثي في ذلك المؤتمر, وهو في إيجاز علي النحو الآتي: إذا قيل إن السلام نفي للحرب فالسؤال إذن: ما الحرب؟ جوابي أن الحرب تستلزم وجود عدو. وإذا قيل إن الحرب تستلزم وجود عدو فالسؤال اذن: ما هو أساس هذا الوجود؟ أظن أن أساسه كامن في المحرم المقدس وهذا المحرم مطلق لأنه ليس من المشروع نقده, إذ ليس له من بديل, ومن هنا فانه يرقي إلي مستوي الحقيقة المطلقة, وبالتالي إلي الدوجماطيقية التي تعني توهم قدرة العقل علي امتلاك هذا النوع من الحقيقة. والسؤال إذن: من المسئول علي الترويج لهذه الدوجماطيقية؟ إنهم الفقهاء وعلماء اللاهوت في كل الأديان بلا استثناء. وهم يستندون في ذلك الترويج إلي منع إعمال العقل في النص الديني, أو بالأدق إلي منع التأويل, ومن يمارسه يتهم بالكفر وقتله واجب. وإذا كان التأويل يعني إعمال العقل فإعمال العقل يعني بالضرورة الإبداع, ومن غير ذلك يمتنع العقل عن حث الانسان علي التقدم, فالسؤال بعد ذلك: هل للإبداع منطق؟ جوابي أنه يتحدد بتحديد معني الإبداع وهو في رأيي قدرة العقل علي تكوين علاقات جديدة من أجل تغيير الوضع القائم. وبديل الوضع القائم هو الوضع القادم, والوضع القادم هو رؤية مستقبلية. المستقبل اذن في الابداع. وإذا أردت مزيدا من الفهم فانظر إلي حال الأصولية الدينية في مصر الآن فماذا تري؟ حذف المستقبل وعبادة ماض معين, وتكفير من ينكر هذه العبادة وقتله بلا تردد. لمزيد من مقالات مراد وهبة