رغم انحسار قوة تنظيم الاخوان وحلفائهم من بعض سلفيين وجهاديين في الحشد والتظاهر, ورغم القبض علي العديد من القيادات, فمن المبكر القول أن معركة تحرير مصر قد انتهت. فالأذناب ما زالوا موجودين, والعناصر السرية تحرك بعض الخيوط, والتدخلات الخارجية بالمال والسلاح والتحركات السياسية الخارجية والدعايات الاعلامية الفجة ما زالت نشطة للغاية, وبعض من يوصفون بالمثقفين أو الناشطين السياسيين مستمرون في تشويه الحكومة الانتقالية وإثارة الشائعات والقضايا الجدلية والعبثية للتأثير سلبا علي حالة التوافق بين الشعب وجيشه وشرطته وباقي المؤسسات والتي تجلت في30 يونيو حتي الآن. باختصار المعركة حققت الكثير ولكنها ما زالت في أولها, والحذر وارد في الأيام المقبلة اكثر مما كان في الشهور الماضية, والتماسك الشعبي والمؤسسي هو الخيار الوحيد للانتصار علي الإرهاب والعنف ودعوات استدعاء الخارج ليعيث فسادا في مصر. واستكمال باقي خطوات التحول السياسي والتأسيس لمصر ديمقراطية جديدة هو الرد الدامغ علي كل المؤامرات سواء في الداخل أو من الخارج. لقد انجزت الشرطة الكثير بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة المسلحين, لا شك في ذلك. والتجانس المؤسسي والحكومي يبشر بكل خير, كما أن خطط الجيش المصري الباسل في سيناء تحقق كل يوم انتصارا كبيرا علي عناصر الارهاب سواء المصرية أو من الجنسيات الأخري. وفي كل يوم تتضح حقائق حول حجم الكارثة التي كانت ستواجهها مصر إن استمر حكم الرئيس المعزول وجماعته, سواء في جعل مصر مركزا اقليميا لجماعات الإرهاب والعنف الدولي, أو في التنازل عن أراض مصرية شمالا وجنوبا, أو في رهن البلاد اقتصاديا وسياسيا والاقرار بتبعيتها لكل من تركيا وقطر بزعم بناء تحالف إسلامي برعاية أمريكية وغربية, أو في تقسيم وتفتيت جيش مصر العظيم والتخلص من قياداته المخلصة للوطن والشعب, أو تفكيك الشرطة واستبدال ميليشيات إرهابية تخضع لرموز إخوانية بعينها لقهر الشعب وممارسة الاستبداد في أبشع صوره, فضلا عن التخلص من نخبة مصر السياسية والفكرية والإعلامية بزعم أنهم مشاركون في انقلاب ضد حكم الجماعة. مرة ثانية ما تحقق حتي الآن يمثل خطوات مهمة, ولكن الهدف الأكبر في دحر الإرهاب وجماعته لم يتحقق بعد, وفي الأيام القليلة الماضية تكررت بصورة منهجية حوادث من نوع جديد تمثل الموجة الثانية من إرهاب الجماعة وحلفائها, كالاعتداء علي أقسام البوليس من قبل ملثمين وقيام مجهولين بقتل الجنود المكلفين بالخدمة كما حدث في الاسماعيلية وبورسعيد وقسم النزهة شرق القاهرة, كما قامت العناية الإلهية بكشف عدد من القنابل اليدوية تحت أحد الكباري بالاسماعيلية وقنبلة هيكلية تم تفكيكها كانت قريبة من إحدي محطات السكك الحديدية بما يعني أن الإرهابيين يريدون إحداث هجمات علي مراكز ومواقع تؤدي إلي عدد كبير من القتلي والمصابين كنوع من العقاب الجماعي للمصريين, فضلا عن قيام ملثمين بإطلاق النار عشوائيا علي أحد المساجد في6 اكتوبر, ومسجد أخر في بورسعيد. وهناك تهديدات يتم تداولها في مواقع محسوبة علي الإخوان والجهاديين تنذر المصريين جميعا بتفجيرات كبيرة كالتي اعتاد عليها العراقيون يوميا بواسطة الانتحاريين والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة, بما يؤثر علي الحالة المعنوية للمصريين ويبعد المستثمرين ويوقف حركة الحياة, ويستنزف جهود المؤسسات, وينهك الاقتصاد ويشعل غضب المصريين علي جيشهم وشرطتهم. أما الهدف الاكبر لهم فهو تحويل مصر إلي ساحة خراب كالحادث في سوريا, متصورين أن تلك هي الخطة الجهنمية التي ستعيد إليهم حكم مصر من جديد. ويالها من خطة تجسد مدي كراهية هؤلاء لمصر والمصريين ومدي انسحاقهم الفكري والعضوي أمام المستعمر الخارجي وألاعيب المخابرات الاجنبية. هذه النوعية من الحوادث ليست إلا أفعالا إرهابية خسيسة لا يقوم بها إلا خائنون لوطنهم وشعبهم, أو عناصر إجرامية تلهث وراء المال الحرام من جهة حرام وبفعل حرام, أو أناس مغيبون فاقدون للبصر والبصيرة. وهدفها الخبيث هو واضح تماما, يبدأ بوضع مصر تحت ضغط التوتر اليومي الجماعي بما يستنزف طاقتها في الدفاع, ويلهيها عن البناء والتقدم للامام وفق خريطة الطريق. إننا إزاء عملية تستهدف استنزافا للطاقة والفكر والجهد المجتمعي وبما يؤدي من وجهة نظر الجماعات الارهابية ومن وراءهم إلي إفشال العبور نحو المستقبل, وتفكيك التماسك المجتمعي والتأثير سلبا علي حركة المؤسسات وجهدها في ضبط الحالة الأمنية بمعناها العام, ومن ثم خلق بيئة سياسية ومجتمعية مهترئة وحالة أزمة سياسية تجذب التدخل الدولي الذي يحلمون به. إنها المرة الأولي التي نري فيها جماعة تدعي لنفسها حماية الإسلام والمسلمين, وكل همها أن تجلب الخراب للوطن وتسنزف قدراته من أجل حلم مستحيل وتستدعي القوي الخارجية لاحتلاله. وهنا المفارقة الكبري التي لا تستقيم مع ما يسمي دعوات المصالحة الوطنية واستيعاب الجماعة في صلب العملية السياسية, وكأن ما تقوم به من تخريب واستنزاف واستعداء للمصريين جميعا مجرد هزل, أو حدث عابر يمكن التغاضي عنه. فالذين يتحدثون عن مصالحة عليهم أولا أن ينصحوا الجماعة وأعضاءها بالتوبة عن جرائمهم بحق مصر والمصريين, وأن يتوقفوا عن العبث بأمن البلاد والعباد, وأن يثبتوا انتماءهم للوطن, وأن يقطعوا كل صلاتهم بتنظيم الاخوان الدولي الخاضع للمخابرات الاجنبية, وأن يفضوا كل صلاتهم التنظيمية بالجماعات الارهابية العالمية كالقاعدة وغيرها, وأن يلتزموا بالقانون والدستور, وأن يعملوا في العلانية وأن ينهوا بالدليل القاطع دور التنظيم السري الميليشياوي الارهابي, وأن تتوقف رموزهم الدينية والاعلامية عن التشكيك في ثورة30 يونيو, وأن يصمت تماما شيخهم الأكبر في الدوحة عن التحريض علي الجيش المصري والشرطة, وأن يتوقف هذا العبث المسمي مظاهرات إعادة الشرعية, وأن يوقفوا كل أعمالهم الصبيانية التي جلبت عليهم كراهية المصريين وغضبهم, وان يختاروا إما العمل في صورة حزب أو أن يكتفوا بالعمل الخيري وفق ضوابط القانون وتحت عين الدولة والمجتمع. وباختصار أن يكونوا مواطنين صالحين. وعندها يمكن للمصريين أن يفكروا بالمصالحة. أما قبل ذلك فلا سبيل سوي المواجهة والغضب والعزل المجتمعي, فضلا عن المحاسبة القانونية لكل من تورط أو شارك بالاضرار بالوطن بأي صورة كانت. إن مصر الواعية بنفسها وقدرها التاريخي, وشعبها الصادق والمخلص لوطنه, يثبت كل يوم أنه لا يخضع للابتزاز, ولا ينصاع لفكر مشوه, ولا تؤثر فيه ألاعيب جماعات الإرهاب في الداخل أو في الخارج. إنه الصخرة الصلبة التي تنكسر فوقها كل المؤامرات. لمزيد من مقالات د. حسن أبو طالب