بدأ الموقف السياسي الأمريكي داعما في جوهره لأنصار الرجعية, و للإرهاب الإخواني الذي تمارسه الجماعة ومشايعيها ضد الدولة المصرية بناسها وجماهير شعبها, وبما يمثل سقوطا أخلاقيا جديدا لإدارة أوباما من جهة وتعبيرا جليا عن الوهم الذي تصدره الديمقراطيات الغربية بشأن محاربتها للإرهاب, وولعها بقيم الحداثة والتقدم والحرية من جهة ثانية, حيث مثل مجمل الموقف الأمريكي تحديا سافرا لمشاعر المصريين الذين خرجوا في مظاهرات الثلاثين من يونيو, وما بعده, خالقين موجتهم الثورية الأكثر راديكالية في مجابهة قوي الاستعمار العالمي الجديد, فضلا عن مقاومة الزحف الرجعي علي مقدرات الأمة المصرية, وبدت إدارة أوباما, حليف الإرهاب الإخواني, خارج اللحظة السياسية العالمية بامتياز, والتي تنبيء عن تشكل إرادة سياسية مصرية حقيقية, بلورتها ثورة الثلاثين من يونيو المجيدة في سعيها للاستقلال والتحرر الوطني من أسر التبعية السياسية والاقتصادية للاستعمار الجديد, والمدجج بحيل مختلفة, تدعم مواقف التيارات الإسلامية, والتي اعتقد في كونها قادرة علي احتواء المد الأكثر تطرفا!. وبعيدات عن خطأ الحسابات الأمريكية التي عميت أو تعامت عن أن الإرهاب كتلة واحدة, فشجعت التيارات الرجعية المتطرفة والتي تعد أيضا تابعا للرأسمالية العالمية المتوحشة, فإن ثمة واقعا جديدا يتشكل الآن مركزه القاهرة بقدرتها علي مجابهة القوي الظلامية, ودحرها, وحفاظها علي فكرة الاستقلال الوطني بوصفها غاية أساسية من غايات ثورة يونيو, لتبتعد مصر- ومن ثم- عن الدوران السابق في فلك القطب الأمريكي بنفوذه المتآكل بفضل التعاطي اللا أخلاقي للإدارة الأمريكية مع الحالة المصرية الراهنة, والتي كشفت من يقف بحق في خندق الإرهاب الأسود, ومن يحاربه! خاصة أن التحرك الروسي صوب عواصم التحرر الوطني في سياقه الجديد, والذي يبدو مشابها- مع الفارق بالطبع- لتلك اللحظة الخمسينية من القرن الماضي, بالغة النصاعة في تاريخ العالم, وفي حياة شعوبه المقهورة تحديدا, والتي امتلكت إرادتها الخاصة بعد صراعات مريرة مع قوي الهيمنة والاستعمار, يغذي ذلك الأمر وبكبرياء وطنية كاريزما السيسي الذي يعد بشكل أو بآخر امتدادا طبيعيا لعبدالناصر, في حفاظهما بإباء ووطنية شديدة علي مقدرات الدولة المصرية, وقرارها الخارج من عباءة المصالح المصرية العليا, لا من موائد واشنطن العامرة برياح الصفقات, ودهاليزها الرخيصة. وربما في هذا السياق كله لا يمكن أن نغفل أيضا الخطاب الدال ذا النزعة العروبية الواضحة والذي طرحه الملك عبدالله, والذي يدرك تماما أن بقاء الدولة المصرية بقاء للجسد العربي جميعه, حتي لو كان هذا الجسد يفتقر إلي التلاحم القومي المنشود, وربما كان جزءا أصيلا من أهمية هذا الخطاب أيضا أنه يأتي من دولة معروفة بتوجهها الإسلامي, ومن ثم فلا مجال للمزايدة من قبل القوي الإسلامية الأخري, أما الأمر الثاني فهو أن السعودية أحد حلفاء أمريكا في المنطقة والعالم, أدركت- كما أدركت دول أخري- أن في سقوط الدولة المصرية سقوطا للأمة العربية ذاتها, وبما يعني إمكانية نشوء حلف عربي جديد محوره القاهرة/ الرياض. إن الدولة المصرية ركيزة أساسية للأمة العربية, ومن يدرك ذلك من العرب يسعي إلي تقويتها لا النيل منها كما تفعل بلدان هامشية أخري, وربما سيستمر الحال في الفترة القادمة بين دول تحيا كأذناب لأمريكا في المنطقة, ودول أخري تسعي بحق لامتلاك قرارها الوطني, وفي مقدمتها مصر, ولأن إرادة الشعوب الحرة هي التي تنتصر دائما, فلا شك في أن الدول الماضية صوب غدها المستقل, ستنجح في مسعاها مهما علت التكلفة, أو قلت, وربما سيترتب علي ذلك تآكل متوقع- ومأمول في آن- للنفوذ الأمريكي في المنطقة, خاصة أن مركزية الدور الامريكي في العالم نفسها أصبحت مهددة بفعل دخول الدب الروسي علي مسرح الأحداث بقوة كبيرة, فضلا عن الدور الصيني الباحث دوما عن مصالحه الاقتصادية, والتي ربما يجد متسعا لها في القاهرة في الفترة المقبلة. فربما يأخذ أفول النجم الأمريكي إذن من المنطقة سنوات, مادامت استمرت الإدارة الامريكية داعمة لمنتجي التطرف, وصانعي الإرهاب, لأن ثمة سببا آخر معنويا هذه المرة, لكنه بالغ الأهمية بالنسبة للأمم الكبري وآلية حضورها في التاريخ, فالأخطاء الكبري لطالما أذهبت بممالك وإمبراطوريات, وأنزلتها من فوق عروشها الواهية. فدعم الأمريكان- وباختصار- للإخوان المتأسلمين كان بمثابة السقوط الأخلاقي الذي يكاد ينهي أسطورة أمريكا الحرة المتحضرة, حيث نري دولة يفترض أنها بنت الحداثة, تقف- في مفارقة مخزية في خندق الرجعية, والتطرف, والإرهاب, وبما يؤسس لصورة ذهنية جديدة عن ذلك الحلم/ الوهم الأمريكي, والذي داعب شعوبا كثيرة يوما ما بوصفه نموذجا للتحديث. مصر الآن تنفض عن كاهلها غبار الرجعية, مثلما تخرج أيضا من فخ التبعية المنصوب لها من زمن والذي وقعت فيه بإرادتها- للأسف-, وها هي تحاول الخروج منه بإرادتها أيضا, وستنجح لا محالة, لأن مصر الآن موصولة بثورتها, وبلحظتها المواتية في أن تأخذ زمام المبادرة الحقة لتدشين دولة مدنية ديمقراطية حديثة, بنت الخيال الجديد, والطليعة الثورية الشابة, والنخب الوطنية التقدمية, فالثورة ستخط طريقها رغم أنف كل معارضيها ومعوقي حركتها في الداخل أو الخارج, خاصة وأن الوجدان الجمعي للأمة المصرية أظهر في أكثر من مرة رفضه القاطع لدولة الاستبداد, والإرهاب الديني, والتي ثرنا عليها من أجل عالم أكثر عدلا وجمالا وإنسانية, كما أن موجتي الثورة المصرية يناير2011, ويونيو2013 قد كشفتا عن ذلك التحالف القذر والمشبوه ما بين الفساد, والرجعية, وقوي الاستعمار الجديد, والذي نأمل أن تكون ثورة الثلاثين من يونيو قد وضعت له نهاية حقيقية, لتفرغ مصر إلي مستقبلها الذي يخصها وحدها, ولا يخص أحدا سواها. لمزيد من مقالات د.يسرى عبد الله