لا ينكر عاقل الدور الأعظم الذي اضطلع به الأزهر الشريف في خدمة دينه وأمته علي مدي تاريخه الناصع بإخلاص لم يتوفر لمؤسسة أخري في العالم كله. ويكفي علماءه وشيوخه وأساتذته وطلابه شرفا ورفعة ووقارا أن الله تعالي اختارهم لحمل رسالته الخاتمة إلي الدنيا كلها. ومن حق شيوخه الأجلاء أن نعترف لهم بأنهم أدوا الأمانة علي خير وجه, وعرفوا بالإسلام الحق دين سماحة وسلام وأمان وعمل وتعاون وتقدم وحضارة. لم يكونوا يبتغون في سبيل ذلك إلا رضوان الله وإعلاء كلمة الحق.. ولست أحسبهم في حاجة إلي إطراء أو مديح, فأجرهم علي الله, وعهدهم مع الناس: لا نريد منكم جزاء ولا شكورا. وعلي الرغم من سمو رسالته ونبل أهدافه عاني الأزهر وشيوخه من تجاوزات خصومه, وسوء أدبهم, ومؤامراتهم لصرف الناس عنه.. وقد باءت جميعها بالفشل, ولم تزد المسلمين في الداخل والخارج إلا ثقة ويقينا بأزهرهم وعلمائه. إن أزهرنا الشريف يتقدمه شيخ الإسلام فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب يواجه في هذه الآونة تحديا ضخما يمثل مهمة سامية عاجلة لا تقل أهمية عن جهوده لتحقيق المصالحة, وهي تصحيح ذلك السيل من المفاهيم المغلوطة والأفكار المنحرفة التي غيبت وعي كثيرين من الشباب وخطفت عقولهم وأحالتهم إلي أدوات للإرهاب والعنف والقتل والتخريب, وأوهمتهم بأن سفك الدماء, وتدمير مظاهر الحياة, واستهداف الأهل بعد تكفيرهم تقود إلي الفوز بإحدي الحسنيين النصر أو الشهادة! ولا ندري النصر علي من؟ والشهادة في سبيل ماذا؟ أطل الإرهاب بشكل جديد متوعدا بالقضاء علي الأخضر واليابس, وليس هناك مجال للتراخي في مواجهته بالفكر الإسلامي المعتدل.. ولا ينبغي أن يتخلف عالم عن المشاركة في هذه المواجهة التي أراها أولوية قصوي في جهود الأزهر وشيوخه يجب أن تتقدم علي محاولات غير مضمونة النتائج لإخراج الساسة من عثرتهم, وجمع شمل النخبة التي أبت إلا الفرقة والتناحر. فإذا لم يكن القتل والجرح والترويع وإشاعة الخوف في نفوس الناس, ونشر الرعب بينهم إرهابا.. فما هو الإرهاب إذن؟.. وهل يصح أن يقال كذبا وزيفا إن تلك الأعمال في سبيل الله؟ وإذا لم يكن إصدار الفتاوي الانتقامية بحق المخالفين في الرأي, وتكفيرهم وإخراجهم من الإسلام, والتحريض عليهم إرهابا.. فما هو الإرهاب إذن؟ وإذا لم يكن حمل السلاح بكل أنواعه علي أبناء الوطن الواحد, وتخريب ممتلكاتهم العامة والخاصة, وقطع الطرق, وتعطيل مصالح البلاد والعباد إرهابا.. فما هو الإرهاب إذن؟.. وهل صحيح أن الموت في سبيل ذلك شهادة في سبيل الله؟ إذا لم يكن الاعتداء علي مصر أم العروبة وقلبها, وأساس وحدتها, وركيزة قوتها, وراعية كرامتها, وحامية مكانتها بين أمم الأرض إرهابا.. فما هو الإرهاب إذن؟ إن هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية يأتيان علي رأس المؤسسات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم, ويجب أن يتنادي أعضاؤهما صباح مساء, وأن ينشغلوا باجتثاث الفكر الخاطئ من نفوس الشباب المخدوع بعد أن زيفوا أمامه الحقائق, فجعلوا النكاح جهادا وحرق المنشآت واجبا وقطع الطرق فريضة ومهاجمة الكنائس مباحة والانتحار شهادة والاعتصام في الميادين أفضل عند الله من الاعتكاف في الحرمين الشريفين! إن مواجهة هذه المغالطات هي أولوية علماء الأزهر ورثة الأنبياء إذا كنا بحق جادين في حماية مستقبل مصر الذي يمثل أعظم ضمان لنشر الفكر الإسلامي المعتدل, ليس في مصر وحدها, وإنما في الدنيا كلها. اتركوا السياسة لمن أفسدوها فهم وحدهم يحملون أوزارها, واستعيدوا دوركم في قيادة فكر الأمة المصرية, وتنقيته من هلاوس الأدعياء الذين فرقوا بين المصريين, وفتحوا أبواب الجنة واسعة أمام أتباعهم, وزجوا بخصومهم في جهنم, ورددوا في جرأة غير معهودة: قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار. لقد بلغ الخطر مدي لا يحتمل السكوت عليه بعد أن غزت الأفكار الخاطئة البيت المصري, فأصبح بعض الأسر يستقبل القتلي من الشباب الذي ألقي بنفسه إلي التهلكة بالزغاريد عند الدفن باعتبارهم شهداء.. وكم كانت مصر تحتاج إلي جهودهم لتحقيق نهضتها في الحاضر والمستقبل. إننا نناشد مجمع البحوث الإسلامية أن يبادر إلي تفعيل لجانه لمواجهة ذلك التلوث الفكري المنسوب إلي الإسلام زورا وزيفا, وأن يقدم لنا سريعا بحوثا ودراسات نستعيد بها أبناءنا وشبابنا ممن اختطفت عقولهم وسلبت إراداتهم باسم الدين. عودوا سريعا إلي أعمدة الأزهر, وأفسحوا للشباب مكانا حولكم, وامحوا بصحيح الدين ما حشوا به عقولهم من فتاوي الفتنة.. اصطحبوا وعاظ الأزهر وعلماء الأوقاف وانتشروا بمساجد النجوع والقري والعزب والمدن في دروس بين الصلوات, لإصلاح ما أفسده أناس ارتدوا ثيابكم وتحدثوا بغير لسانكم. انتظموا في مؤتمرات دينية, وندوات ومحاضرات ودروس في كل مكان.. في الجامعات والمدارس.. في الأندية ومراكز الشباب.. في مواقع الإنتاج المختلفة.. في الحقول إن استطعتم.. في كل ربوع مصر. قدموا الأبحاث والكتيبات والرسائل والخطب والمواعظ لتوضيح حقائق الدين التي حجبها المغرضون عن الشباب في الكثير من القضايا المعاصرة. لا تتركوا الفضائيات المغرضة تستبيح عقولنا بخلط السم في العسل, لتحقيق أهداف رخيصة علي حساب الدين.. لا تتركوا المنابر لكل من هب ودب يملأ عقولنا بغث الكلام, والافتراءات والدعاوي التي لا يسندها دليل علمي أوشرعي. أثق في أن شيخ الإسلام الطيب سينفض يد الأزهر من العمل السياسي, فالدماء التي سالت أخيرا جعلت ما نرجوه من مصالحة شاملة تستعصي علي الحل. كما أثق في أن الأزهر وشيوخه وأساتذته وطلابه سيبادرون إلي تصحيح صورة الإسلام التي حاول البعض تلطيخها بإهانة الأعراض, وسفك الدماء, والاعتداء علي الكنائس والتظاهر في المساجد, واستخدام المآذن في قنص الأرواح.فهل أنتم فاعلون؟ لمزيد من مقالات محمد الدسوقى