لم يكن إعلان نتائج انتخابات مجلس الأمة الكويتي في الثامن والعشرين من يوليو الماضي نهاية المطاف بالنسبة للمجلس الذي جاء محملا بملامح مغايرة للمجالس السابقة, فقد شهدت جلسة انطلاق دورة انعقاده الجديدة يوم الثلاثاء الماضي معركة انتخابية من نوع آخر وهي معركة انتخابات رئاسة المجلس التي تنافس عليها ثلاثة من النواب أحدهم كان رئيسا للمجلس السابق الذي استمر حوالي ستة أشهر فقط, صحيح لم تكن بنفس نوعية وطبيعة وسخونة معركة الاقتراع التي تنافس فيها حوالي321 مرشحا للحصول علي مقاعد المجلس ال50 لكنها كانت معركة بالمعني الحقيقي للمفردة سواء من حيث السخونة والتربيطات والسعي الي اكتساب النواب والحكومة من هذا المرشح أو ذاك فأثمرت فوزا بالمنصب البرلماني الرفيع المقام كان من نصيب مرزوق الغانم من الجولة الاولي عبر حصوله علي36 صوتا, بفارق الضعف عن النائب علي الراشد الرئيس السابق للمجلس وأكثر من ثلاثة أضعاف عن النائب روضان الروضان, وهما- وفق رؤية المراقبين- فارقان كبيران لم يسبق أن تحققا, لاسيما في الظروف التي شهدت تنافس3 مرشحين بعد انسحاب النائب علي العمير- والذي كان متطلعا الي المنصب- من السباق, إثر علمه بأن الوزراء النواب لن يمنحوه أصواتهم خلال عملية الاقتراع علي رئاسة المجلس. واللافت أن الغانم- الذي يمت بصلة قرابة للرئيس الأسبق لمجلس الأمة جاسم الخرافي ووالده يرأس الغرفة التجارية الكويتية تمكن من حسم المعركة لصالحه بأصوات الاغلبية النيابية, دون أن يعتمد فقط علي أصوات الحكومة فبرغم أن حصوله علي أصوات الأغلبية الحكومية, فإن ذلكلا يقلل من الثقل النيابي الذي كان متوجها للتصويت اليه, وكما هو معروف في أي انتخابات, فإن التوجه الحكومي يكون للأقوي ومن تريده الأغلبية النيابية ومن سيكون فوزه مرجحا, فمنطق الامور يقتضي ألا تخلق الحكومة معركة مبكرة مع توجه الاغلبية النيابية. وبنظرة تحليلية للأرقام فإن عدد الأصوات التي حصدها الغانم تراوحت بين26 و27 نائبا من أصل49 نائبا, في حين صوت له من الوزراء عدد يترواح بين9 و10 وزراء, في المقابل صوت للراشد عدد يتراوح بين13 و14 نائبا ومن4 الي5 وزراء, اما النائب روضان الروضان فصوت له7 نواب ووزير واحد مع الأخذ بالاعتبار أن رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك خرج من القاعة ولم يصوت, وبذلك يكون الغانم قد حصد الأغلبية النيابية المطلوبة وهي25+1, ولم يكن أمام الحكومة من خيار إلا الامتثال للرغبة النيابية في تحديد الشخصية التي سيتم التعامل معها طوال السنوات الأربع المقبلة. وفي تعليقه علي هذه المعركة اعتبر الغانم المنافسة علي الرئاسة الي جانب مناصب مكتب المجلس كانت أخوية بين جميع المرشحين وهو ما يؤشر علي رقي التجربة الديمقراطية في الكويت لافتا الي أن أمامنا تحديات كبيرة وطموحا عاليا من قبل الشعب الكويتي, ويجب أن نبذل الغالي والنفيس ونحطم كل القيود والاغلال التي تعيقنا عما يسمو اليه ابناء الشعب الكويتي' داعيا الي' أن تتضافر جميع الجهود من خلال مؤسسات المجتمع المدني, والمواطنين والنواب والوزراء وشرائح ومكونات المجتمع الكويتي كافة, وأن نضع أيادينا بأيادي بعضنا البعض لبناء الكويت ولنعيدها كما كانت' وقد توجه رئيس مجلس الأمة الأسبق جاسم الخرافي للغانم قائلا بعد أن هنأه بالمنصب: الله يعينك ويوفقك ويساعدك علي المهمة الصعبة التي حصلت عليها من ثقة زملائك في المجلس وأصبحت رئيسا لمجلس الأمة, وأعتقد شخصيا أنك كفء لها ولكني أقول لك من خلال خبرتي المتواضعة إن المهمة ليست سهلة ومن أعطوك أصواتهم ودعموك لم( يبروك) وإنما يريدون منك جهدا لمستقبل الكويت, ويحرصون فيها من خلال ثقتهم بك ان تكون علي مستوي الثقة, وأنا واثق أنك علي مستوي هذه الثقة. وبعيدا عن أجواء معركة رئاسة مجلس الأمة فقد وجه الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت كلمة في في افتتاح دور الانعقاد العادي الاول للفصل التشريعي الرابع عشر لمجلس الأمة حذر فيها من استدراج الفتنة البغيضة التي تشق صفوف الكويتيين وتنال من وحدتهم وتضعف قوتهم, مشددا علي أن الوحدة الوطنية كانت عبر مئات السنين هي الصخرة الصلبة التي تحطمت عليها أطماع الغزاة والمعتدين مضيفا: اليوم ونحن نري الاضطرابات تعصف بالدول شرقا وغربا, ونيران الفتن والحروب الأهلية تحرق المجتمعات والشعوب فإننا أحوج ما نكون لوحدتنا الوطنية التي تحمينا من هذه الكوارث والويلات. وعبر الشيخ صباح عن أمله في أن يكون مجلس الأمة الجديد فاتحة نهج جديد في العمل السياسي, قوامه إعلاء مصلحة الكويت فوق كل شيء آخر, والتمسك بتعاليم الدين الحنيف والالتزام بأحكام الدستور وبثوابت وقيم المجتمع, وتفعيل التعاون الايجابي بين المجلس والحكومة لترسيخ دعائم الاستقرار, وتعزيز دولة المؤسسات وسيادة القانون وإطلاق مسيرة التنمية والإصلاح الشامل, ومكافحة الفساد, وتعزيز الرقابة والشفافية, وذلك كله من خلال الممارسة الفاعلة لدور النواب الدستوري في الرقابة والتشريع بالوفاق والاتفاق والحوار الموضوعي والنقاش وحسن الخطاب والاستماع لكافة الآراء ووجهات النظر علي اختلافها. ويبقي السؤال الملح: هل تدفع الانتخابات الأخيرة بما أسفرت عنه من نتائج بالتجربة الكويتية السياسية والديمقراطية الي الاستقرار وتجاوز حالة الاحتقان التي شهدتها البلادخلال السنوات الماضية؟ طرحت السؤال الذي شغلني طويلا عليالشيخ سلمان الحمود وزير الإعلام الكويتيفعقب قائلا: نحن متفائلون بأن تدخل البلاد بعد هذه الانتخابات مرحلة جديدة من الاستقرار والتعاون بين مختلف سلطات الدولة لأنه من دون ذلك لن تقوم قائمة للتنمية وأيا كانت طبيعة الظروف التي مرت بها الكويت خلال المرحلة الماضية وبعضها مرت به دول المنطقة فإن الشعب الكويتي أثبت وعيهوقدرته علي حماية مكتسباته الدستورية ويتابع الشيخ سلمان قوله: لقد جرت الانتخابات الأخيرة وفق قانون الصوت الواحد الذي أصبحدستوريا بعد أن بسطت المحكمة الدستورية سلطتهاعليه ومن ثم لم يعد ما يمكن وصفه بالخلافات الجوهرية وإن كانت هناك بعض التباينات في وجهات النظر فإن المحكمة حسمتها وما تبقي هو الرأي والرأي الآخر أو بعبارة أخري المؤيد والمعارض وذلك من سمات العملية الديمقراطية وعلامة صحة في أي نظام سياسي بيد أنه من الأهمية بمكان التأكيد علي أن الكويت هي في جوهرها دولةمؤسسات وثمة دستور ينظم العلاقات بين سلطاتها وبين الحاكم والمحكوم في ظل قيادة حكيمة ممثلة في أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح بتجربته الغنية والثرية ونظرته الثاقبة البعيدة مما جنب الكويت الكثير من الأنواء والعواصف التي تعرض لها العالم العربي بحنكة وذكاء مع دعم قوي من الشعب الكويتي لهذه الإجراءات ويختتم الشيخ سلمان قوله: نعم أنا متفائل بمجلس الأمة الجديد الذي سيتحمل مسئولياتهفي إطار من التعاون والتنسيق ويجمع الأسرة الكويتية لمصلحة الوطن سعيا لتحقيق استقراره.