من أعظم أسرار هذا الشهر المبارك قدرة الإنسان علي تغيير مواقفه وعاداته وسلوكه, ففي هذا الشهر أنزل الله القرآن الذي غير معالم الأرض.. وأخرج الناس من الظلمات إلي النور, وهو شهر التغيير الإيجابي, وفيه نهضت الأمة الإسلامية وشهدت أكبر فتوحاتها, وفيه كانت موقعة بدر الكبري التي سماها القرآن الكريم يوم الفرقان, وكان فيه فتح مكة الذي كان نصرا مبينا, وكان فيه النصر علي العدو الإسرائيلي في العاشر من رمضان السادس من أكتوبر1973, فقد اجتمعت في هذا الزمن أسباب التغيير التي تهذب المسلم وتخلصه من الكدورات المادية والمعنوية, وتحقق له الفاعلية الإيجابية. وأرسي دين الإسلام العظيم قاعدة التغيير في حياة الإنسان المسلم ومن ثم في المجتمع المسلم, وجعلها مبنية علي مدي قدرة الأفراد علي تغييرهم لأنفسهم, وهو ما يشير إليه قوله تعالي: إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم, الرعد:11], ومعني هذا أن حكمة الله تعالي وإرادته سبحانه, جعلت مسألة تغير المجتمع راجعة إلي تغير ما في أنفس أفراده, فإذا غير الأفراد ما بأنفسهم نحو الأفضل تغير المجتمع نحو الأفضل. وهذا يؤكد أن الله سبحانه جعل مسألة التغيير بيد الإنسان, وأمرا راجعا إلي خياره وقراره لأنه صانع التغيير, وصاحب القرار الذي بيده أن يمضي فيه ويحققه, ولعل مما يعزز هذا قوله تعالي: ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها علي قوم حتي يغيروا ما بأنفسهم الأنفال:53, فالتغيير سنة إلهية كونية بثها الله في مخلوقاته, الليل يتبعه النهار, والشمس تخلف القمر, ولا تستقر المزن علي حال, والأفلاك لها دوران ومسار, الكون كله ينبئنا عن سنة كونية ترتسمها هذه المخلوقات العظام ألا وهي التغيير. تجديد فهم الدين ويقول الدكتور محمد عبد الله الشرقاوي أستاذ ورئيس قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة: إن النهوض والانبعاث والإصلاح لدي الشعوب العربية أمر مهم جدا, لأن شعوبنا تستحق أن تنهض بل من واجبها أن تنهض, وللنهضة آلياتها وأسسها وقيمها, ومن آليات النهضة تجديد الفكر وتجديد فهمنا للدين وتجديد طريقتنا في التفكير وتعديل منهجيتنا للفهم والنظر إلي أنفسنا ونظرتنا للآخرين وللكون والحياة, فالتغيير لا بد أن ينبع من داخل الإنسان لكي يغير الواقع الذي يعيش فيه, والله تعالي قال: إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم, وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: يبعث الله تعالي لهذا الأمة علي رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها, وإذا كانت النهضة بالإنسان, ومن أجله, فكيف نبني إنسان النهضة هذا؟ لأن نهضة الأمم لا تنبني علي الغوغائية ولا علي برامج التوك شو, ولكن تنبني علي الفكر النهضوي الفاعل, وأوضح الشرقاوي أن الفكر هو روح النهضة, وأن علي علمائنا وباحثينا أن يستشعروا مسئوليتهم نحو الإسهام الفعلي في تجديد الفكر الإسلامي إيمانا منا بأن النهضة الحضارية لا بد أن تتأسس علي نهضة فكرية, وبعد الثورة فنحن بحاجة ماسة إلي تجديد حقيقي للخطاب الديني, بحيث يراعي العلماء والخطباء والواعظ حاجة المجتمع وتطلعات الناس, ويجتهدون في تنزيل الأحكام الشرعية الصحيحة لحل مشاكلهم الراهنة, وكذلك هم بحاجة إلي أن يتحدثوا عن قيم الدين الخلقية السامية ودفع الناس إلي الإيجابية والفاعلية والتعاون, والبعد عن السلبية والتخاذل. وإذا كان الخبير التربوي الدكتور علي مدكور, يري أن التغيير الاجتماعي إنما يبدأ من الداخل, أي من النفس, وذلك بتغيير الأنماط العقائدية, والمعيارية, والقيمية, والفكرية للإنسان; فإذا ما تغير ذلك, فإنه ينعكس علي السلوك الخارجي للفرد والمجتمع علي السواء. فان الدكتور محمد سعدي, مدرس البلاغة بجامعة الأزهر, يري أن أهم الإشكاليات الحضارية التي تواجهها الأمة الإسلامية تقهقرهم وتقدم غيرهم من الأمم, والتاريخ الإنساني يمر هذه الآونة بمنعطفات حادة, وعالمنا الإسلامي يواجه تحديات هائلة تستهدف وجوده, وقد وضع الله سنة كونية للتغيير وهي قوله تعالي: إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم الرعد/11 فعملية البناء الحضاري يسبقها عملية تغيير كبري هذا التغيير يتمثل في التخلص من المعوقات السلبية, والحرص علي الفاعلية الإيجابية التي ستعيد فاعلية المسلمين, وتقودهم إلي الريادة الحضارية. فإن الوقت هو أغلي ما يتملكه الإنسان, وإدارة الوقت واغتنام الفرص هي ما يتميز به الإنسان الناجح, والرغبة إلي التطوير والارتقاء والتقدم مما يحرص عليه المسلم. ورمضان شهر التغيير الإيجابي, فقد اجتمعت في هذا الزمن أسباب التغيير التي تهذب المسلم وتخلصه من الكدورات المادية والمعنوية, وتحقق له الفاعلية الإيجابية, ومن أعظم أسرار هذا الشهر المبارك قدرة الإنسان علي تغيير مواقفه وعاداته وسلوكه, فرمضان شهر القرآن, ففي هذا الشهر أنزل الله القرآن الذي غير معالم الأرض, وأخرج الناس من الظلمات إلي النور, قال تعالي: هو الذي ينزل علي عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلي النور وإن الله بكم لرءوف رحيم الحديد/9, ورمضان شهر الصلاة والقيام, والصلاة تنهي عن المسلم عن الفحشاء والمنكر وتحقق السلام الاجتماعي, قال تعالي: إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر العنكبوت/45, ورمضان شهر الرحمة والبر, ففي رمضان تسود الأجواء الإيمانية, وتنتشر نفحات الحب والود, وتحبب الطاعة للنفوس, فتمتلئ المساجد بالمصلين; رجالا ونساء, شيوخا وشبابا, وتنتشر موائد إطعام الصائمين, وتكثر صلة الأرحام, ويتخلق الناس بخلق الصبر والأناة. ورمضان شهر الاعتكاف, والاعتكاف يتعود فيه المرء علي الانقطاع عن الدنيا والإقبال علي الله والأنس به, وهذا الاعتكاف يقوي الإرادة ويضاعف العزيمة.وشهر علو الهمة وقوة العزيمة والارتقاء بالنفس فوق المادة ووصلها بخالقها وتوثيق روابطها به; والصائم شديد الحرص علي تحصيل ثواب الشهر كاملا واستثمار فضائله من مغفرة للذنوب, ودعوة الصائم المجابة, وأن أجر الصائم لا يعلمه مقدار إلا الله, ومن علو الهمة التي يحققها الصوم حرص الصائم علي الابتعاد عن كل ما يفسد الأجر والثواب في هذا الشهر, والابتعاد عن مكدرات الصيام من الاشتغال بسفاسف الأمور دون معاليها, أو الوقوع في المنهيات كشهادة الزور والتسمع للكذب والكذابين أو متابعة قنوات الفساد والمجون, وحفظ الجوارح من الآثام لأن الوقوع فيها يضيع أجر الصوم وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به, فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه. ورمضان شهر الرحمة والمغفرة والتوبة, والتوبة تخلص الإنسان من السلبية المدمرة, وتنجيه من المعوقات النفسية التي تعوق تقدمه في الحياة, وفي رمضان فرص كثيرة للحصول علي التوبة, نذكر منها ثلاثة فرص: الفرصة الأولي: صوم نهاره يغفر الله به الذنوب, ففي الصحيحين: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه الفرصة الثانية: قيام ليله يغفر الله به الذنوب أيضا فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, الفرصة الثالثة قيام ليلة القدر أيضا سبب في مغفرة ذنوب العبد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, ورمضان شهر تزكية النفس, فهو يعود الصائم دوام استشعار مراقبة الله تعالي, ومن كملت لديه هذه الخلة كان في مقام المحسنين, وأنعم به من مقام, ورمضان شهر تعود فيه الأمة إلي النظام, فالجميع يبدأ الصيام في وقت واحد, ويفطرون في وقت واحد, لا يستطيع أحد كائنا من كان أن يخالف هذا النظام, والتاريخ شاهد صدق علي أن رمضان شهر التغيير الإيجابي, فهو بحق شهر الانتصارات, فقد كانت أشهر الانتصارات في تاريخ الإسلام في شهر رمضان فكانت بدر الكبري في17 رمضان وفتح مكة20 رمضان وعين جالوت في25 رمضان وحرب73 في10 رمضان.