لا شك أن صدمته والمخاوف التي اجتاحت قلبه هي التي جعلته يفقد صوابه ويخرج لوسائل الإعلام ليدلي بتصريحات لا تليق بكونه حاكما لواحدة من أهم الدول ولا تليق بحنكته السياسية وتاريخه, حيث خرج علينا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ليشن هجوما علي المظاهرات ويعلنها مرارا وتكرارا بأن التمرد الذي حدث في مصر علي حكم الإخوان ليس ثورة ثانية ولا استجابة للإرادة الشعبية بل إن الأمر كله يتمثل في انقلاب عسكري غادر أطاح بالرئيس المصري وهدم التجربة الإسلامية وأن ما حدث لا يليق بدولة تسعي لترسيخ الديمقراطية والشرعية لذا فإنه مازال يري أن مرسي هو رئيس مصر الحالي. بين ليلة وضحاها تحول حلم أردوغان الذي سعي لتحقيقه إلي كابوس يؤرقه ليلا نهارا, فبعد أن أقام علاقة وطيدة مع مرسي وحركة الإخوان ليثبت أمام الدول الأوروبية أن الحكم الإسلامي نموذج يحتذي به وأن التيار الإسلامي أصبح هو المتحكم في الشرق الأوسط فقد تحول الأمر إلي كابوس خاصة عقب خروج الآلاف في أوسع احتجاجات يشهدها الحزب الحاكم التركي منذ توليه الحكم أي منذ أكثر من10 سنوات تلك الاحتجاجات التي استطاع إخمادها بالقوة التي كادت أن تنتهي لولا مجيء الأحداث المصرية لتزيد من اشتعال المظاهرات التركية مرة أخري مما يبث الخوف في أركان الحكومة من انحياز الجيش للشعب وحدوث انقلاب من داخل الجيش التركي في حال شروع أردوغان اتخاذ أي قرارات من شأنها أسلمة تركيا. فما كاد أن يطيح الجيش المصري بمرسي وعزله من منصبه حتي قطع أردوغان عطلته القصيرة ليعقد اجتماعا طارئا مع رئيس مخابراته ووزرائه, ليندد بتدخل الجيش المصري قائلا إن الذين يعتمدون علي السلاح في أيديهم, الذين يستندون إلي قوة الإعلام, لا يستطيعون بناء الديمقراطية... فالديمقراطية تبني من صندوق الاقتراع, كما سعي أردوغان جاهدا لتغيير المادة35 من الدستور والتي تنص علي أن القوات المسلحة التركية مسئولة عن حماية الأراضي التركية والجمهورية التركية كما هو موضح بالدستور, إلي النص علي أن القوات المسلحة مسئولة عن حماية الأراضي التركية ضد الأخطار والتهديدات الخارجية, وعن تأمين حماية وتقوية قوات الجيش بشكل رادع وأداء الواجبات المنوط بها خارج البلاد كما يحدد البرلمان التركي, والمساعدة علي الإسهام في السلام العالمي وقد خرج رئيس الجمهورية عبد الله جول ليبرر إصرار وعجالة أردوغان في تغيير تلك المادة بالذات قائلا يجب تعديل تلك المادة لكي يمنع أي أوجه لسوء الفهم أو استغلاله بشكل خاطئ في المستقبل, وقد خرجت غالبية الصحف التركية لتؤيد ما قيل من قبل المسئولين إلا قليلا منها الذي عارض وأقر أن ما حدث30 يونيو كان ثورة ثانية ولكن علي استحياء. فلا شك أن ما حدث في مصر وضع حزب العدالة والتنمية التركي في موقع دفاعي خاصة مع تجدد المظاهرات مرة أخري بتركيا التي تضم نسبة كبيرة من العلمانيين المطالبين بتجنب الحكومة أجندة التسلط التي إذا سعت لتنفيذها لجنيت علي نفسها وأطاحت برئيسها, وتأتي النبرة القوية التي يتحدث بها المتظاهرون لاعتمادهم علي الجيش التركي الذي طالما اعتبر نفسه حامي العلمانية التركية والذي سعي حزب العدالة والتنمية إلي إضعافه بل كسر نفوذه, بوضع مئات الضباط في السجون بتهمة التآمر لتنفيذ انقلابات, وذلك اتعاظا من الأربعة انقلابات التي نفذها في نصف قرن. ولكن هناك اختلافا شاسعا بين كلا من مرسي وأردوغان والذي يبدو جليا في نجاح أردوغان في النهوض بتركيا اقتصاديا والتي تمكنت في عهد أردوغان من الوصول إلي المرتبة ال17 علي قائمة أقوي الاقتصاديات في العالم, بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي, كما أظهرت الأرقام وصول الناتج المحلي الإجمالي في تركيا إلي نحو ثلاثة أرباع تريليون دولار في هذه الفترة أي أنه ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل العام2003, بالإضافة إلي وصول قيمة الصادرات التركية إلي152 مليار دولار خلال العام الماضي, أي عشرة أضعاف قيمة الصادرات التركية قبل تولي أردوغان السلطة الأمر الذي كان سببا في فوز حزب العدالة والتنمية بثلاثة ولايات انتخابية متتالية منذ2002, بعد أن استطاع إنهاء حقبة شائكة شهدت حكومات ائتلافية غير مستقرة وتخللها انقلابات عسكرية وتدهور اقتصادي وبالرغم من كل ذلك فإنه في أولي محاولاته لفرض سيطرته واجه احتجاجات واسعة كادت أن تعصف به وبحزبه. السعيد من أتعظ بغيره والشقي من أتعظ بنفسه.. حكمة سورية آن الأوان أن يطبقها أردوغان خاصة أن الشعب التركي بدأ يخطو أولي خطواته علي الدرب المصري بالدعوة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي للثورة علي أردوغان إلي جانب سعيهم لنشر استمارات تمرد الإلكترونية.. فهل سيتعلم الدرس ويستفيد منه ويغير اعتقاده بأن الديمقراطية الحقيقة هي ديمقراطية الصندوق الانتخابي خاصة عقب مشاهدته جموع المصريين وهي تثبت له مدي قوة ديكتاتورية الرغبة الشعبية أم أنه سيتمسك بأسلوبه الذي ربما يكون وبالا عليه؟