نحن نريد أن نفهم.. عبارة وجهت إلي من نفر من فلاسفة دوليين في مساء6 أغسطس من عام1990, أي بعد عقد مؤتمر الاتحاد الدولي الانساني والأخلاقي الحادي عشر تحت عنوان الحرية والمساواة والإخاء. والذي دفع هذا النفر من الفلاسفة إلي قول تلك العبارة مردود إلي أن غزو العراق للكويت في2 أغسطس من نفس ذلك العام كان يشي ببداية صراع بين العالم الاسلامي والعالم الغربي, لأن الرأي الشائع حينها هو أن رئيس العراق صدام حسين كان ينوي محاربة الغرب بعد الاستيلاء علي دول الخليج البترولية. وإذا كان ذلك كذلك فما العمل؟ كان الرأي عندي أن ثمة فجوة حضارية بين العالمين الاسلامي والغربي, وأن هذه الفجوة هي التي أغرت العالم الغربي بامكان استثمار العالم الاسلامي وقيل عن هذا الاستثمار إنه استعمار. وسواء كان هذا أو ذاك فالاثنان يستندان إلي مبدأ مشترك وهو أن الضعيف هو المولد للقوي. والسؤال اذن: أين يكمن الضعف؟ إنه يكمن في أفول العقل. والأفول لا يتحقق إلا بهيمنة الفكر الأسطوري علي الفكر العقلاني. والمفارقة هنا تقوم في أنه بالرغم من التناقض الحاد بين الفكرين إلا أنهما يشتركان في إعمالهما لمبدأ السببية ولكن مع فارق كيفي وهو أن السبب, في الفكر الأسطوري, هو بلا فاعلية في تغيير الوضع القائم في حين أن السبب في الفكر العقلاني لديه القدرة علي إحداث تغيير في الوضع القائم من أجل افساح المجال لتجسيد الوضع القادم, أي الرؤية المستقبلية. وتأسيسا علي ذلك يمكن القول بأن أفول العقل يعني أفول التغيير. وبناء عليه فاذا أراد العالم الاسلامي أن يتحرر فعليه التحرر من أفول العقل. والسؤال اذن: كيف يمكن التحرر من أفول العقل؟ ليس في الامكان تحقيق ذلك التحرر إلا إذا كان العالم الاسلامي حاسما في الاختيار بين نموذجين متناقضين وهما نموذج ابن تيميه ونموذج ابن رشد. فكر ابن تيمية يرفض تأويل النص الديني, أي يرفض إعمال العقل من أجل الكشف عن المعني الباطن, وذلك بدعوي أن التأويل, عند ابن تيميه, هو بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. ويترتب علي رفض التأويل اجماع الأمة علي فهم واحد للنص الديني, وبناء علي ذلك الاجماع يكفر من يخرج عنه وقد يقتل إذا لزم الأمر. أما فكر ابن رشد فيدعو إلي ضرورة تأويل النص الديني, أي ضرورة إعمال العقل من أجل الكشف عن المعني الباطن. والتأويل متعدد, والتعدد مشروع, ومن ثم يكون إجماع الأمة, في هذه الحالة, ممتنع, ومن هنا يقول ابن رشد عبارته المأثورة في كتاب فصل المقال...: لا يقطع بكفر من خرق الاجماع. ومحنة العالم الاسلامي تكمن في أنه قد آثر ابن تيمية علي ابن رشد ومن ثم تأسست الوهابية في القرن الثامن عشر, وجماعة الاخوان المسلمين في القرن العشرين, وبذلك أصبح ابن رشد هامشيا في الحضارة الاسلامية علي حد قول المستشرق الفرنسي هنري كوربان في كتابه المعنون تاريخ الفلسفة الاسلامية(1964). والمطلوب اذن إحداث فعل ثوري لاحلال ابن رشد محل ابن تيمية, وذلك بتأسيس رشدية عربية علي غرار الرشدية اللاتينية في العالم الغربي والتي كانت من أسباب بزوغ الاصلاح الديني في القرن السادس عشر والتنوير في القرن الثامن عشر وبذلك يتداخل العالمان الاسلامي والغربي من أجل تطوير الحضارة الانسانية من غير صدام. وإثر الانتهاء من هذا العرض التاريخي استجابة للعبارة التي قالها ذلك النفر من الفلاسفة نحن نريد أن نفهم دار حوار من أجل مزيد من الفهم الأمر الذي انتهي إلي ضرورة احياء فكر ابن رشد من أجل إشاعة الرشدية العربية. وقد كان, إذ تمت الموافقة في اجتماع ضم كل الفلاسفة المشاركين في المؤتمر علي عقد مؤتمر دولي ينعقد في القاهرة في عام1994 تحت عنوان ابن رشد والتنوير, وقد كان, إذ انعقد في الموعد المحدد بتمويل من الاتحاد الدولي الانساني الأخلاقي ومن الجامعة العربية ومن وزارة الخارجية المصرية, ومن وزارة الثقافة, ومن وزارة التعليم, ومن معهد جوته بالقاهرة, وبعث أمين عام الأممالمتحدة الأستاذ الدكتور بطرس غالي برسالة إلي المؤتمر جاء فيها أن مؤلفات ابن رشد تخاطبنا جميعا اليوم حول أهمية الجماهير في السياسة, وضرورة مواجهة مشاكلها وتحقيق سعادتها. وقد كان الأمين العام محقا في لفت الانتباه إلي علاقة ابن رشد بالجماهير, إذ كان ابن رشد يري أن ثمة نوعين من المنطق: منطق الراسخين في العلم, أي النخبة بالمعني المعاصر, وهو المنطق الذي يستند إلي إعمال العقل في ممارسة البرهان, ومنطق الجماهير وهو المنطق الذي يقف عند حدود التجربة الحسية. وإذا أردت مزيدا من الفهم فانظر إلي ثورة30 يونيو2013 فماذا تري؟ تري ثورة جماهيرية ليس لها مثيل في تاريخ الحضارة الانسانية إذ كانت مشتعلة بثلاثين مليونا من المواطنين تعلن إقالتها لرئيس خلا حكمه من إعمال العقل. ومعني ذلك أن الجماهير في طريقها إلي أن تكون هي النخبة. لمزيد من مقالات مراد وهبة