رغم حالة الحزن والألم التي تسود الوسط المسرحي هذه الأيام بعد رحيل شيخ المخرجين حسن عبدالسلام الأسبوع الماضي, إلا أن عزاؤهم الوحيد هو زخم أعماله الفنية. التي شكلت وجدان عشاق المسرح في مصر والوطن العربي بأكمله, والتي تجاوزت مائتي مسرحية تشكل كل منها مدرسة فنية فريدة, فمن منا ينسي سيدتي الجميلة أو أهلا يا دكتور أو المتزوجون أو جوليو ورومييت أو موسيقي في الحي الشرقي.. في السطور التالية يروي عمالقة المسرح ذكرياتهم مع حسن عبدالسلام وكيف كانت حيوية أفكاره تدفعه باستمرار للتمرد علي كسر تقاليد المسرح الكلاسيكي. بصوت شجي رقيق سمعته علي طرف الهاتف الآخر جاءت كلمات جميلة المسرح المصري شويكار وهي تتذكر معلمها حسن عبدالسلام في المسرحية الوحيدة التي أخرجها لها وهي سيدتي الجميلة عن قصة بجماليون للكاتب جورج برنارد شو- فقالت: كان معلما حساسا للغاية وتعب معي جدا خاصة في الفصل الأول من المسرحية حتي منحني تعليمات جذابة جعلتني أتحرك علي الخشبة كالفراشة, فقد نجح في تصميم حركة للممثلين ألهت المشاهدين عن فقر الديكور, وقد ظللنا نقرأ ونستعد للعمل ونرسم ملامح الشخصية التي لعبتها قبل بدء البروفات بثلاثة أشهر كاملة, كما تم كتابة بعض المشاهد أكثر من مرة حتي يخرج بالصورة اللائقة التي بحثنا عنها مع فؤاد المهندس وبهجت قمر وسمير خفاجة, وكان حريصا علي تنفيذ حركة الممثلين حرفيا ويستجيب له الجميع دون مناقشة, ورغم أنه كان العرض الوحيد الذي جمعنا معا إلا أن أكثر ما تعلمته منه ضرورة وأهمية الحركة المستمرة علي خشبة المسرح في أي مشهد لي حتي لو لم يكن لي حوار, وهذا ما ظللت أطلبه دائما من كل مخرج أعمل معه بعد حسن عبدالسلام بشرط أن تكون تحركات ذات مغزي درامي, لأن تلك الحركة تمنع الملل وتجذب المتلقي للمشهد. وقد كشف المخرج القدير سمير العصفوري أسرار التألق الدائم لحسن عبدالسلام حينما قال: أعتبره الأخ الأكبر لي, فقد تعلمت منه الجرأة والحيوية الشديدة, فقد عرفته وقت أن كان اشهر مخرجي الجامعات في الخمسينيات, وكان ممثلا في فرقة المسرح الحر, فالتقيته مع جمال اسماعيل وانور اسماعيل ومحمد عوض وغيرهم, وقد أخرج لي وقتها أهم عملين في حياتي وهما مرتفعات ويزرنج وهاملت سنة1959, والتي فجر بها مفاجأة لكل صناع وعشاق المسرح حيث قدم هذا العمل البديع دفعة واحدة ودون أن يقسمه لفصول ودون اختصار ودون أن يشعر احد بالملل, فكانت تجربة صعبة للغاية علي مسرح حديقة الأزبكية, فكان أكثر حرفية وقدرة علي ابتكار أفكار ورسائل فنية سابقة لزمانها بشكل مبهر, وهذا ما رشحه بعد ذلك لفرقة التليفزيون المسرحي عام1963, ولا شك أن مدرسة حسن عبدالسلام الإخراجية اثرت ليس فقط علي الشباب ولكن علي جيله ايضا أمثال كرم مطاوع ونجيب سرور, فرغم غيابه فترة طويلة في الكويت إلا أنه عاد وقدم أكبر وأروع مجموعة من عروض المسرح التجاري في مصر, مثل سيدتي الجميلة التي أبهر بها الجميع رغم الفقر الشديد الذي واجهه في كل عناصر العرض بسبب ميزانية فرقة الفنانين المتحدين الضعيفة وقتها. وأضاف العصفوري: حسن عبدالسلام هو من بلور الشكل المسرحي لفرقة ثلاثي أضواء المسرح فقدمت من خلاله مسرحيات فكاهية جذابة ذات رسائل جيدة مثل طبيخ الملائكة والمتزوجون وغيرها, وعلي مستوي الثقافة الجماهيرية كان لعبدالسلام الفضل في إنعاش الحركة الثقافية لفرقة القاهرة النموذجية وفرق الأقاليم, وأذكر له أول عرض لمأساة الحلاج, عام1966 مع فرقة الأسكندرية والتي اضاءت لي جوانب كثيرة عند إخراجي لها مرة أخري عام1967, فقد كانت لديه طموح ورغبة دائمة لكسر تقاليد المسرح المصري المتواضعة والفقيرة, ونفذ ذلك بقدرته علي المغامرة والحيوية الحركية المبهرة التي كان يمنحها للممثلين علي المسرح, ورغم هذا فقد حرم عبدالسلام من حق البعثة والدراسة والحصول علي الدكتوراه من الخارج وكانت الجملة الشهيرة وقتها علي لسان المسئولين لا تخرج لأنك معدتش البحر, فلم يكن لدي المسئولين الثقة في مخرج محلي الصنع, ولعل هذا كان سببا وجيها في تقديمه أكثر الأعمال إمتاعا وشهرة, والسر في القدرة علي الإبداع الناتج من حالة التمرد القوية علي قيود السفر والتعلم بالخارج, فلا أنسي مثلا إصرار حسن علي أن أصبغ شعري في مرتفعات ويزرنج للون الأصفر رغم انني سأعرض ليلة واحد فقط, وأنني تعرضت لصبغة سيئة للغاية لم تزل من رأسي إلا بعد عام كامل, وهي إحدي مقالبه التي تعكس مرحه وروحه الشبابية.