أصبح من السمات التي يلجأ بعض من خبا الدين في نفوسهم, وضعف قدره عندهم, وانحسر أو كان ينمحي من أفئدتهم, اتخاذ المساجد موضعا للتظاهر, ليطلق علي هذه التظاهرة بعض الذين غلبوا علي أمرهم فعميت قلوبهم عن الحق( ثورة المساجد) ونسي هؤلاء أن المساجد هي بيوت الله تعالي في الأرض, وأنها جعلت لعبادة الله تعالي والتقرب إليه, وقد ورد في الآية الكريمة أن هذه البيوت جعلت ليذكر فيها اسم الله تعالي, قال تعالي: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار, وأن المساجد لم تجعل للغوغاء ليرفعوا أصواتهم المنكرة بها داخلين أو خارجين منها, يتبين هذا من حديث الأعرابي الذي بال في المسجد, إذ قال له رسول الله: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر, إنما هي لذكر الله عز وجل, والصلاة وقراءة القرآن, وأداة الحصر في الحديث المتمثلة في( إنما هي) تفيد أنها ليست لغير ذلك من الأعمال, وقد روي أن رسول الله قال: من سمع رجلا ينشد في مسجد ضالة, فليقل لا أداها الله إليك, فإن المساجد لم تبن لهذا, وفي رواية: إنما بنيت المساجد لما بنيت له, قال النووي: معناه, لذكر الله والصلاة والعلم والمذاكرة في الخير ونحوها, ومن المتيقن أن التظاهر أو أعمال الترويج السياسي للبعض, ليس داخلا في ذكر الله تعالي من قريب أو بعيد, كما لا يدخل في الصلاة أو قراءة القرآن, وإذا كانت المظاهرات التي تتم في المسجد أو تنطلق منه, وكذا اتخاذها للترويج السياسي للبعض, لم يكن داخلا في وظيفة المسجد التي حددها النبي في الحديث, فإن فعلها في المسجد يمثل عدة معاص لله تعالي, أولها: أنه عصي رسول الله فيما أمر به من عدم اتخاذ المساجد لغير ما بينه في حديثه, ثانيا: معصية رفع الصوت في المسجد لغير عبادة, فقد روي عن النبي قال: جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم, وشراءكم وبيعكم, وخصوماتكم, ورفع أصواتكم, وإقامة حدودكم, ولذا كره جمهور الفقهاء رفع الصوت في المسجد ولو بالصلاة والذكر وقراءة القرآن, واستثنوا من ذلك رفع الإمام صوته بالصلاة لإعلام المأمومين, ورفع بعض المأمومين صوته بالتكبير ونحوه لإعلام المصلين, إن احتيج لتبليغ تكبيرة الإمام وتنقلاته, وقد كرهوه استدلالا بحديث النهي عن نشدان الضالة في المسجد, والنهي عن البيع والابتياع فيه, ثالثا: أن فيه تشويشا علي المصلين والقراء والذاكرين في المسجد, مما يترتب عليه عدم ضبط ما يقومون به من عبادة, فتبطل صلاتهم, وتنصرف قلوبهم عن تدبر آيات الذكر الحكيم, كما تنصرف عن ذكر الله تعالي, رابعا: إن هذه المظاهرات بما تحشده من المتظاهرين أو المؤيدين للمرشح السياسي, تفضي غالبا إلي صعوبة الدخول في بيوت الله تعالي, فيترتب عليها منع الناس من أداء الصلوات فيها, وكفي بذلك معصية لله تعالي من ذلك, خامسا: ما في هذه المظاهرات والترويج السياسي للبعض من إسقاط هيبة بيوت الله تعالي ويزيل قدسيتها وتوقيرها من نفوس الناس, بل ربما أفضي التظاهر أمامها إلي منع المصلين والذاكرين من الولوج فيها, فكان في ذلك تأثيم المتسبب في ذلك, حتي وإن كان يقصد من التظاهر أمرا مشروعا, فإن كان البعض يري للتظاهر جدوي فليكن بعيدا عن بيوت الله تعالي, حتي لا يكون المتظاهرون صادين الناس عن بيوت الله وعبادته فيها, وصارفين لهم عن التقرب إلي الله تعالي, لقاء أمور قد لا يكون لها صفة الشرعية, يتوهمون بها أنهم علي الحق, وهم علي الباطل عاصون لله تعالي بما يفعلون.