اليوم نستقبل عاما جديدا نتطلع فيه الي حياة افضل, وإلي مسرح أرقي وأكثر جذبا وتأثيرا وحرية وقدرة علي تغيير الواقع.. لا شك في أن المسرح وسائر الفنون تنمو وتزدهر في مناخ الثورات ومثلما شهدت الثورة الفرنسية أدبا وفنا شديدي الرقي شهدت كذلك السنوات التي تلت ثورة1919 في مصر رقيا أدبيا وفنيا ملحوظا يكفي الإشارة الي عمالقة من أمثال أحمد شوقي وحافظ ابراهيم وبيرم التونسي وبديع خيري علي مستوي الشعر الفصيح والعامي وفنانين في المسرح بحجم سيد درويش وعلي الكسار ونجيب الريحاني وجورج أبيض ويوسف وهبي وغيرهم.. وكذلك أنتجت ثورة23 يوليو التي قام بها الجيش المصري وأيدها الشعب حالة فنية خصبة شملت كافة المجالات وشهد المسرح المصري في أواخر الخمسينيات والستينيات أزهي عصوره ولمعت عشرات الأسماء يصعب حصرها ولكننا نذكر فقط في مجال التأليف المسرحي د. رشاد رشدي وسعد الدين وهبة ونعمان عاشور والفريد فرج ود. يوسف ادريس وعبدالرحمن الشرقاوي وأنيس منصور وأبو السعود الابياري والسيد بدير وبهجت قمر وزكريا الحجاوي في مجال المسرح الشعبي وصلاح جاهين في مجال مسرح العرائس نعم المسرح ينتعش في ظل المناخ الثوري ويمرض بالتأكيد في ظل الفوضي والغياب الأمني وعدم الاستقرار الذي عانينا منه طوال العام الماضي لأسباب غير مفهومة.. ومع سنة اولي ثورة قدم لنا المخرج والباحث الدكتور عمرو دوارة دراسة مهمة استأذنا منه في اختصارها بحكم المساحة ونشكره لانه خصنا بها. في دراسة مهمة للدكتور عمرو دوارة ثورة يناير بعيون المسرح منذ اندلاع الشرارة الأولي للثورة بميدان التحرير بوصفه نموذجا ورمزا للميادين الرئيسة بجميع المحافظات قام الشباب الثوار بتوظيف جميع الفنون للتعبير عن مشاعرهم وصياغة وإعلان مطالبهم, فأقاموا حفلات السمر في ليالي اعتصامهم المفتوح, وقد تضمنت حفلات السمر هذه بخلاف إذاعة الأغنيات الوطنية وإلقاء بعض القصائد الشعرية والزجلية تقديم بعض الاسكتشات المسرحية من خلال الارتجال( وأشهرها فقرة الهندي الذي ينتقد الأوضاع السياسية والاجتماعية الآنية بأسلوب ساخر وكأنها تحدث بالهند!) او من خلال توظيف بعض عروض الأراجوز وخيال الظل أو فقرات المسحراتي والحكواتي, وغيرها من الأشكال الشعبية التي يمكن تصنيفها تحت مسميات مسرح الشارع او مسرح الجريدة الحية. بعد نجاح الثورة مباشرة وقبل مرور عدة أسابيع غمر الحماس مجموعات كبيرة من المسرحيين سواء محترفين أو هواة فسارع عدد كبير منهم الي تقديم عروض تتناول اغلبها أحداث الثورة وتوثق لأهم هذه الاحداث. ويمكن من خلال الرصد أن نتعرف علي أهم هذه المسرحيات وهي: 1 بمسارح الدولة والمحترفين: تذكرة للتحرير: بفرقة مسرح الطليعة يوسف مسلم, وإخراج/ سامح بسيوني. هنكتب دستور جديد: بفرقة مسرح الشباب صياغة درامية للارتجال/ محمود جمال وإخراج/ مازن الغرباوي. ورد الجناين: بفرقة المسرح الكوميدي من تأليف/ محمد الغيطي, وإخراج/ هاني عبدالمعتمد. قوم يامصري: بفرقة المسرح المتجول من تأليف/ بهيج إسماعيل وإخراج/ عصام الشويخ( وقد كتب النص قبل الثورة ولكن المؤلف كان قد تنبأ بالأحداث). حكايات ثورة19: بفرقة المسرح القومي من إعداد وإخراج/ أحمد اسماعيل( وبالرغم من أن أحداث النص تدور حول ثورة19 إلا أن العرض يلقي بكثير من الظلال علي أحداث ثورة25 يناير). وذلك بخلاف القيام بإجراء بعض التعديلات الفنية علي عدد من العروض لتواكب أحداث الثورة سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة ومن بينها: بمسرح الشباب عروض شيزلونج, بيت النفادي ملامح, خرابيش, وبفرقة مسرح الغد عروض النافذة كوميديا الأحزان سلطان الغلابة, وضحكة الأراجوز وبفرقة مسرح الطليعة نلتقي بعد الفاصل وبفرقة مسرح الفن شغل أراجوزات. 2 بمسارح الهواة: علي ضوء قمر الثورة: لفرقة هلوسة المسرحية وهو عرض يتكون من ثلاث حكايات ومن إخراج/ هاني عبدالناصر. ثورة25 يناير: صياغة جماعية وإخراج/ إيمان هارميل( قدم علي مسرح الجيزويت). البشاير: قدم بافتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي بمسرح القاهرة للعرائس من تأليف/ د. عمرو دوارة, وإخراج/ محمد جبر. حواديت التحرير/ لفرقة سبيل المسرحية إخراج/ داليا بسيوني, وقد عرض بساحة مركز الهناجر للفنون. سولتير: لفرقة سبيل للفنون وهو عرض مونودراما تأليف وإخراج وبطولة/ داليا بسيوني( قدم بمسرح روابط) حكاية ميدان: لفرقة مجموعة فنانين مصريين تأليف الشاعر/ السيد الأباصيري, وإخراج/ عمرو قابيل, وقدم بالمشاركة مع هيئة قصور الثقافة. حدوتة قبل النوم: لفرقة كلية العلوم بجامعة القاهرة, من تأليف/ علاء حسن, وإخراج/ محمد نبيل تحية للشهداء/ والأحياء إخراج/ ليلي سليمان,( قدم بمسرح روابط) مهرجان فنان من الميدان علي مسرح الهوسابير احتفالية حكايات يناير: التي قدمت بقاعة منف, وقامت بتنظيمها الهيئة العامة لقصور الثقافة, مات الكلام: قدم علي مسرح المركز الكاثوليكي فيها حاجة حلوة: قدمته كلية الطب بجامعة طنطا مهرجان التجارب النوعية: والذي نظمته الإدارة العامة للمسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة خلال الفترة من23 الي27 أكتوبر علي المسرح العائم وقد تضمنت فعالياته تقديم عشرة عروض والحقيقة ان جميع هذه العروض كانت في الواقع مجرد استجابات عاطفية حماسية احتفاء بالثورة, وقد تم اعدادها سريعا في محاولة لمواكبة ذلك الإيقاع السريع للثورة. وفي النهاية لابد أن أقرر أن ثورة الشباب المصرية تبقي أكبر وأعظم من كل الأعمال المسرحية التي تناولتها, وأشرف بكثير من بعض تلك الأعمال الحماسية السريعة أو تلك الأعمال التي حاولت ركوب الموجة, ورغم جميع الإحباطات الحالية التي تحاصرنا إلا أنني مازلت متفائلا بأن ثورة25 يناير سوف تصبح مصدرا خصبا للكثير من الأعمال الدرامية, وأنها سوف تنجح في إبراز مبدعيها والتأصيل لفنونها.