وسط عالم يموج بالثورات والاحتجاجات والحراك السياسي والشعبي سواء في أوروبا أو امريكا اللاتينية أو الشرق الاوسط, جاءت أنباء احتفال رئيس تركمانستان قربان قلي بردي محمدوف بعيد ميلاده مطلع الشهر الحالي وسط أجواء من البذخ الشديد وبمشاركة عدد من نجوم الغناء في مقدمتهم جنيفر لوبيز لتثير اهتمام المراقبين الذين رأوا تناقضا مثيرا بين الواقع الذي يعيشه مواطنو تركمانستان وبين تصرفات حكامها, الأمر الذي دفع عددا من معارضي الرئيس للقول بأن تركمانستان تعيش الديكتاتورية في أبهي عصورها في العصر الحديث, خاصة في ظل ما يتردد عن سجلها السييء في مجال حقوق الانسان. وخلال الحفل الذي اقيم في مدينة أفازا الواقعة علي بعد400 كليومتر شمال غرب العاصمة عشق آباد ونظمته احدي شركات النفط الصينية التي أنشأت عام2009 خط أنابيب لنقل الغاز, فاجأت لوبيز الحضور بارتداء الزي الشعبي التركماني لتشدو بأغنية عيد ميلاد سعيد للرئيس في حضور حشد ضخم من الوزراء والسفراء ورجال الأعمال ورؤساء شركات البترول. ورغم ما هو معروف عن تركمانستان من انها من أكثر الدول انغلاقا في العالم, الا أنها ليست بعيدة عن مواقع الأحداث, فهي تقع في آسيا الوسطي, تحدوها أفغانستان من الجنوب الشرقي,وإيران في الجنوب والجنوب الغربي, وأوزبكستان من الشرق والشمال الشرقي,وكازاخستان من الشمال والشمال الغربي وبحر قزوين من الغرب وهو البحر الوحيد الذي تطل عليه تركمانستان والتي تعد من أصغر جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق من ناحية عدد السكان-5.5 مليون نسمة-, كما أن أغلب أراضيها صحراء ولكنها غنية بثروتها من الغاز الطبيعي وتحتل المركز الخامس علي مستوي العالم. ورغم أن نظام الحكم في تركمانستان هو جمهوري رئاسي الا انه يتميز بنظام الحزب الواحد وهو حزب تركمنستان الديمقراطي, الامر الذي يراه المراقبون يتنافي مع أبسط معايير الديمقراطية لشعبه. ومنذ استقلال هذه الدولة الصغيرة عن الاتحاد السوفيتي عام1991 وهي تعيش في عزلة فرضها عليها الديكتاتور الراحل صابر مراد نيازوف والذي عين نفسه حاكما مدي الحياة لبلاده, بل وفرض نفسه علي شعبه كأب ومرشد روحي ينفذون أوامره من خلال الالتزام بكتابه' روهناما' الذي جمع خلاله أبرز الأفكار والعادات التي تشكل ثقافة وتاريخ شعب تركمنستان المسلم البسيط. ولكن شعبه لم يتمتع بأي قدر من الرفاهية سواء السياسية أو الاجتماعية. فضلا عن كونه شخصية غريبة الأطوار حيث أعاد تسمية شهور العام لتحمل أسماء أفراد عائلته. كما بني لنفسه تمثالا ضخما من الذهب ووضعه في قلب العاصمة عشق أباد. ولكن هذه الأجواء تغيرت الي حد كبير مع خليفته قربان محمدوف الذي تم انتخابه في2007 وأعيد انتخابه في ديسمبر العام الماضي والذي فضل الحياة بشكل أكثر انفتاحا علي العالم فألغي كل المظاهر الغريبة في حكم سلفه وشجع الفنون والثقافة ولكنه لم يقم باصلاحات سياسية حقيقية رغم قيامه بدعوة المعارضين في المنفي للعودة, ولكنه لم يسمح بقيام معارضة حقيقية, في الوقت الذي لم تتحسن في احوال المواطنين الاقتصادية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد, حيث تؤكد منظمة صحفيون بلا حدود أن تركمنستان من أكثر الدول قمعا لحرية الرأي حيث تأتي بعد إريتريا وكوريا الشمالية في الترتيب. الطريف أن جنيفر لوبيز حرصت علي تبرير ذهابها إلي تركمانستان للغناء في هذا الحفل الصاخب بأنه من تمويل مؤسسة بترولية صينية وليس من تمويل حكومي.. وبالتالي فهي لم تسهم بأي شكل من الأشكال في زيادة متاعب هذا الشعب الآسيوي البسيط الذي يعاني في صمت وبدون أي رغبة في الثورة علي واقعه المرير, وهو ما قوبل بهجوم شديد من ناشطي حقوق الانسان الذين قالوا انه كان من السهل عليها التحقق من وضع حقوق الانسان خاصة وأنها عضو بمنظمة امنيستي المعنية بهذ الموضوع, الأمر الذي يسيء لسمعتها.