خصوم الحريري في السياسة كثر لكن من أين يأتي التهديد بالقتل؟ هو يخشي النظام السوري ومن يؤيده في الداخل اللبناني, يعرف أن مهمة تصفيته ليست بالأمر الصعب علي القتلة, لهم سوابق عديدة وشهيرة, كانت لبنان مسرحا للاغتيالات الدامية منذ عام2004, ولا احد يتوقع أين تحدث ومن تصيب؟ الجميع يحبس أنفاسه ويتوقع الأسوأ. اهتزت بيروت علي صوت انفجار مدو استهدف الرمز والسياسي مروان حمادة في أول أكتوبر2004 لكنه نجا بأعجوبة وتم نقله من مستشفي الجامعة الأمريكية علي متن طائرة رفيق الحريري إلي فرنسا للعلاج من الإصابات الخطيرة.. من تاريخ هذه المحاولة ظهرت بعدها النوايا تجاه استهداف الرموز. وفي يوم14 فبراير2005, وقع الاغتيال الكبير بتفجير موكب رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق في جريمة بشعة هزت العالم ولا تزال تداعياتها قائمة, وجرت في وضح النهار علي الرغم من كل التدابير والاحتياطات التي كانت تتبع في موكب مروره, وخضوعه لإجراءات شديدة الحذر, غير أن من نفذ الجريمة كان يضع كل الحسابات حتي لا ينجو, وشاء القدر أن يجلس رفيق الحريري علي مقعد القيادة في لحظة الاغتيال. توقع البعض أن تنتهي المرحلة بعد الخلاص من أكبر تحد وأقوي شخصية سياسية في لبنان, لكن ما حدث هو العكس وبدأت موجة جديدة وعاصفة من عمليات الاغتيالات الواسعة حيث جري اغتيال الكاتب الشهير المعارض للوجود السوري سمير قصير في الثاني من يونيو2005 في حادث شكل صدمة مروعة لمحبيه ولجموع الشعب اللبناني المساند للحرية والاستقلال, وبعد اقل من20 يوما علي هذه الجريمة تم اغتيال جورج حاوي الأمين العام للحزب الشيوعي السابق في تدهور حاد لحدود الحماية الشخصية للشخصيات في الشارع اللبناني. ووسط ذهول لا محدود من استهداف كل المعارضين للنظام السوري. كانت عمليات الاغتيال تتم بأسلوب التفجير عن بعد وجميعها يتسبب في وقوع ضحايا آخرين سواء من المرافقين أو من تصادف وجودهم في مكان الانفجار.. عاشت لبنان ظروفا صعبة.. واتشحت باللون القاتم وتحول تحركات القيادات السياسية إلي ما يشبه الانتحار. كانت عمليات الاغتيال تتنقل بين المناطق وتستهدف كل صوت يرفض ويعارض سوريا وحلفائها في الداخل.. وفي هذه المرة جاءت محاولة اغتيال الياس المر وزير الدفاع في12 يوليو2005 ونجا منها بمعجزة, ودخل في مراحل علاج طويلة وممتدة في أوروبا, أعقبتها محاولة اغتيال الإعلامية مي شدياق في25 سبتمبر من نفس العام ونجت منها ونتج عنها بتر أطرافها اليسري القدم والساق, وشكلت هذه المحاولة تحولا خطيرا في المشهد بعد أن بدأ القتلة في وضع المعارضات علي قوائم التصفية والاغتيالات, ثم حدثت جريمة اغتيال النائب والصحفي جبران تويني في ديسمبر من نفس العام. كان سعد الحريري يراقب كل هذا بحسرة وتحد, لم يترك لبنان وانشغل تماما بجمع صفوف تياره السياسي وحشد كل الدعم لقوي الرابع عشر من آذار( مارس) لضمان وسيطة لبنان.. لكن حدثت الصدمة وأفاقت بيروت علي خبر اغتيال الوزير الشاب بيير أمين الجميل في في21 نوفمبر2006 وقتها كان سعد الحريري يعقد في قصر قريطم مؤتمرا صحفيا وقبل أن يسترسل في الكلام تلقي وزير الداخلية بالوكالة الدكتور أحمد فتفت اتصالا بالحادث ومن شدة الانفعال ضرب الحريري يده في الحائط وتعرضت للكسر. مر عام2006 صعبا لكن جري اتخاذ إجراءات محكمة لتأمين نواب البرلمان والوزراء من فريق الرابع عشر من آذار بهدف حمايتهم من الاغتيالات, لكن دون جدوي وجاءت عملية اغتيال النائب وليد عيدو ونجله يوم13 يونيو2007, وبعدها وقع انفجار دام أودي بحياة نائب الكتائب أنطوان غانم في سبتمبر من نفس العام, وآخر اغتال اللواء فرانسوا الحاج يوم12 ديسمبر والذي كان مرشحا لتولي مهمة قائد الجيش خلفا للعماد ميشال سليمان الذي تم انتخابه رئيسا للجمهورية. وفي تطور لافت تم استهداف النقيب وسام عيدو في25 يناير2008 وهو مهندس التحق بفرع المعلومات الأمنية وتوصل إلي شبكة الاتصالات المعقدة التي تورطت في جريمة اغتيال الحريري. وجاء القرار بالخلاص منه حتي تتوقف مهام الكشف عن شبكة الجناة. ومن بعدها حدثت هدنة ولكن لم تستمر وتم اغتيال العميد وسام الحسن مدير شعبة المعلومات في12 أكتوبر العام الماضي2012 وهو رجل أمن نجح في تعقب شبكات إرهابية خطيرة وشبكات تجسس لحساب الموساد, وكان من الكفاءات التي خسرتها لبنان كانت الاغتيالات تحدث حتي يسقط البرلمان والحكومة وتفقد الأغلبية التي كان يتزعمها الحريري أغلبيتها كما كانت عمليات الاغتيال تخطط لسقوط الحكومة ورئيسها فؤاد السنيورة من خلال التصفية الجسدية للنواب والوزراء لآجل لا تتم موافقة البرلمان والحكومة علي المحكمة الدولية في اغتيال الحريري. وتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية, ووقتها تم جمع من تبقي في لبنان من النواب داخل فندق الفينسيا وعزلهم عن العالم وتسفير عدد كبير من الوزراء والأعضاء إلي دول غربية وعربية في سرية تامة. كانت هناك دوافع شيطانية للتصفية ولكن لماذا الآن يتم استهداف سعد الحريري الذي يتعامل في السياسة ويمارس المعارضة البرلمانية بدرجة عالية من الوعي وعدم التلويح بالعنف. ربما تكون مواقفه الحادة من النظام السوري وعدم رضاء حزب الله عنه, وربما تكون لعبة السياسة حتي يبتعد سعد عن المسرح السياسي في لبنان بما يمثله من دعم كبير لتياره المستقبل الذي ينطوي ضمن قوي14 آذار( مارس) المتنوعة. فالحريري يأخذ علي عاتقة مهمة توفير الدعم المادي والمعنوي لتيار المستقبل, في بلد لا تستقيم فيه لعبة السياسة دون غطاء مالي وفير, ومن هنا كلما نجح رافضوه في إبعاده حانت لهم لحظات الانقضاض علي المشهد اللبناني برمته. الحريري يبلغ من العمر43 عاما وهو خريج جامعة جورج تاون بالولايات المتحدةالأمريكية وهو الابن الثاني بعد بهاء لكن بعد اغتيال والده في عام2005 تم تصعيده للمشهد السياسي وشغل منصب رئيس الوزراء وزعيم تيار المستقبل. هو شاب لبناني شاءت الأقدار ان يكون في صدارة المشهد السياسي, وعندما سئل عن ما هي السعادة الحقيقية عندك؟ قال: أن ارتدي الجينز طوال الوقت ويعتبر أن مانديلا هو أكثر شخص علي قيد الحياة ينظر إليه بإعجاب وأن ما يجول بخاطره في هذه اللحظة هو أن غدا آخر يوم. والآن ما هي أمنياته قد تكون أن يعود إلي لبنان يحيا في قصره المنيف المسمي بقصر الوسط في وسط بيروت يباشر استثماراته ويتابع نشاط تياره السياسي ويحضر جلسات البرلمان كونه نائبا عن مدينة بيروت وربما الأهم من كل هذا أن يتجول بحرية في شوارع بيروت وهو يقود دراجته البخارية ويرتدي لباسه الأثير الجينز دون خوف.