مساء يوم الأربعاء الثالث من يوليو2013, انتصرت إرادة المصريين واستردوا وطنهم بعد اختطاف استمر368 يوما, هي فترة حكم جماعة الإخوان المتأسلمين. لقد قفز هذا التيار إلي الحكم صدفة وعلي غير استعداد أو خبرة لإدارة دولة في حجم مصر والتعامل مع واقع وموروثات وتطلعات شعبها. إنها صدفة تخلقت من حالة التشرذم والصراعات والتراجع التي أصابت شباب الخامس والعشرين من يناير2011, وفي غياب قوي سياسية تمتلك قواعد جماهيرية مؤثرة وأكثر مهارة في التنظيم والحشد. ثم إنها صدفة صادفت دعما أمريكيا ألقي بطعمه, الذي يخفي وراءه نوايا خبيثة وعميقة, إذ يعلم الأمريكيون أنهم يراهنون علي خاسر وأن التجربة لا محالة فاشلة, لتبتلعه الشهوة للسلطة ونزعات الفاشية الملتحفة زورا وتضليلا بالإسلام الحنيف.. علي مدي أكثر من عام أصيبت تلك الجماعة بلعنة الحكم المطلق وأعمي بصرها وهج السلطة فلحقتها لوثة غابت معها العقول, وأفقدتها نعمة البصيرة سياستها الممنهجة للاستحواذ والتمكين, فأضلت وضلت, وتحولت بصلف واستقواء من جماعة دعوية إلي تجار غير مدربين في السياسة ومقامرين بمصالح البلاد والعباد. في هذا المشهد غير المسبوق في السياسة والحكم, خلعت الجماعة علي نفسها شرعية من نوع خاص خولتها اغتصاب الوطن والقبض علي الدولة والإمساك بمفاصلها. إنها عصبة تعادي الدولة الوطنية وتسعي لإقامة خلافة أممية. وبدلا من الإلتزام بمبادئ العقد الاجتماعي مزقته; وبدلا من احترام القانون أهدرته وهددت وأهانت حراسه; وبدلا من إعلاء مصالح الأمة فرطت فيها, وبدلا من تحصين الأمن القومي والدفاع عنه أغمضت البصر وصمت الأذن عن مسائل تهدده سواء فيما يتعلق بمقومات السلام الاجتماعي أو ما يتصل بسيادة مصر علي حدودها الشرقية والتعامل الحاسم مع قتلة جنودنا واختطافهم والقضاء علي بؤر الإرهاب وتجار الأنفاق وأمراء الإتجار في السلاح والمخدرات والتهريب. إن ثمة علامات استفهام تستوجب المساءلة الجنائية لتلك الجماعة, مرشدها العام ورموزها ورأس الدولة السابق, عن المشاركة أو التواطؤ أو التفريط الجسيم. أي شرعية هذه التي يتشدق بها الفاشيون الجدد ويرددونها كما يتنفسون؟ إن الشرعية أنواع ومراتب أعلاها جميعا الشرعية الشعبية بشقيها الرضا أو الرفض, وهذه وتلك تؤسس لديمقراطية النظام ورشادة الحكم, التي تجسد الإرادة الجمعية لعموم المصريين المعبرة عن ضمير الأمة, والتي تنحني أمامها الشرعية الدستورية أو ما يسمي شرعية الصناديق, كما ينفسخ بها العقد الاجتماعي وتستحق مراجعته. فما بالكم في شرعية طائفية أفرزتها غزوات الصناديق, لوثت فيها الإرادة وغاب عنها الاختيار المتحرر من مؤثرات تفسدهما بما في ذلك الترغيب في الجنة والترهيب بالنار؟ وماذا تقولون في شرعية استخدمت السلاح وأحلت القتل في مواجهة أمة بأكملها, وكشفت بذلك عن الوجه القبيح لتاريخ إرهابي ممتد؟! منذ الثلاثين من يونيو, تموج ميادين وشوارع ومدن وقري ونجوع مصر بعشرات الملايين من المصريين بكل أطيافهم, ذابت في ضميرهم الجمعي كل الثقافات والعقائد والانتماءات الحزبية والسياسية والفوارق الاجتماعية لتفرز إرادة شامخة وحاسمة, أصواتها مجلجلة, رؤيتها وأهدافها واضحة قاطعة, مطالبة بإسقاط حكم جثم علي أنفاس المصريين وسرق وطنهم وهدد هويتهم علي مدي عام كامل هو الأسوأ في تاريخهم, أفضي إلي تصنيف دولتهم عالميا دولة فاشلة. ثورة شعب غاضب ساندتها مؤسسات الدولة العميقة وفي مقدمتها جيش الشعب الباسل والشرطة والقضاء والإعلام. إنها ثورة حقيقية قاد المبادرة فيها شباب مصر بفكر عبقري جسدته حركة تمرد علي عصبة أدخلت البلاد في نفق مظلم مسدود صنعته تجاوزات وأزمات ضاعت معها الأهداف التي عبر عنها المصريون في الخامس والعشرين من يناير.2011 إن المصريين ليسوا في خصومة مع شباب جماعة الإخوان, لكن الخصومة كل الخصومة مع أولئك الذين اغتصبوا السلطة وإنحرفوا بها وتخلوا عن الأهداف وأضاعوا الحقوق وانشغلوا بالتمكين ودفعوا بالبلاد إلي منزلقات الانحدار والسقوط في المجالات كافة. الخصومة كل الخصومة مع من شاركوا بالفعل أو التضامن أو التحريض, أو حتي بالسكوت, علي أعمال العنف والقتل وسفك الدماء واقتحام السجون والاعتداء علي مقار الجيش والشرطة والقضاء وحرق المجمع العلمي, وغيرها من الجرائم, وأولئك الذين تخابروا مع جهات أجنبية أو أستقووا بها أو جاملوها أو سكتوا علي جرائمها. لقد وصف, وبحق, الراحل الأستاذ حسن البنا, مؤسس الجماعة ومرشدها العام الأول, أولئك بأنهم ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين. وفي هذا الصدد, أناشد شباب الجماعة الذين ثبت اليوم تضليل الحرس القديم لهم والوصول بالتنظيم إلي هذا المنعطف الخطير ووضعه في صدام مباشر مع عموم المصريين. أناشدهم التخلي عن ذاك الحرس ومساءلته, والانخراط بسرعة, وقبل فوات الأوان, مع عموم المصريين في مرحلة جديدة يعاد فيها بناء هذا الوطن والنهوض به وتحقيق طموحات أبنائه في إطار خارطة الطريق التي وضعها الشعب وساندها جيشه العظيم وأعلنها قائده العام, الفريق أول عبد الفتاح السيسي. علي شباب الجماعة أن يسألوا أنفسهم ورموزهم قبل أن يساءلوا هل نحن أهل دعوة ومحبة أم أهل تكفير وفرقة؟ وهل نحن أهل إسلام وسلام أم أهل نفاق وحشد وقتال؟ في مقال سابق لهذا الكاتب( الأهرام2011/12/18) بعنوان الإسلام السياسي يحكم.. بداية تداول أم نهاية تجربة؟ قلت إن الثقة التي تعبر عنها نتائج الانتخابات تحكمها شروط لزوم استقرت في ضمير الجماعة المصرية وجسدتها بوضوح الأهداف الأساسية للثورة الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. إنه لا يريدها عسكرية أو دينية بل ديمقراطية مدنية عصرية.. والأمل معقود أن تجعلوها بداية تداول لا نهاية تجربة. واليوم بات واضحا أنها نهاية تجربة, وأحسب أن هذه النهاية سوف تقزم تلك الجماعة وتهزم أهدافها وتحرق سياساتها وتنهي مشروعها, ليس في مصر فحسب بل أيضا علي مستوي التنظيمات القطرية والدولية. إنها نهاية كلية وشاملة صنعها الشعب, ولم تأت نسبية وجزئية عبر الصناديق, الأمر الذي يخرج تلك الجماعة من دائرة المؤهلين للإمساك بالسلطة أو تداولها مرة أخري. لمزيد من مقالات د.عبد الحافظ الكردى