علي عجل قطع رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان إجازته الصيفية, وعاد أدراجه الخميس الماضي إلي العاصمة أنقرة, لمتابعة الحاصل في مصر, الذي ولا شك أقلق بشكل هائل نخبة الباشباكلنك( مجلس الوزراء), وشنكاياي كشك (القصر الجمهوري), بيد أنه قبلها بيوم, وربما بيومين, أجري أردوغان اتصالا هاتفيا بالرئيس باراك أوباما, حثه فيه علي دعم الرئيس محمد مرسي, حتي لا يتعرض الربيع العربي إلي انتكاسة, ويشجع المتطرفون القوميون واليساريون المناوئون أصلا للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط, إضافة إلي عدائهم المزمن لإسرائيل للانقضاض علي مقاليد الحكم ببلادهم. يا لها من سخرية, هكذا صرخ اليسار التركي, أن يسوق الرجل الإسلامي رئيس السلطة التنفيذية في الأناضول, تلك المبررات كي يستعدي بها أكبر قوة في العالم أن تقف ضد رغبة مئات الآلاف من المصريين في وطن لا يخلط الدين بالدولة والرافضة لكل تيارات الإسلام السياسي. كان واضحا إذن مدي هلع زعيم العدالة والتنمية الحاكم, كل هذا وعينه علي الداخل ببلاده, الذي كاد أن يهدأ نسبيا علي الأقل, إلا أن إرهاصات الثلاثين من يونيو, كانت تدفع الشباب الغاضب إلي معاودة احتجاجاتهم الرافضة لحكمه بين الحين والآخر, هذا علي الرغم من تعمد وسائل الإعلام تجاهلها, وعدم تسليط الضوء عليها. لكن مع بشائر طوفان الغضب لم يكن هناك مفر سوي التغطية دون تعليقات مباشرة, ورغم المؤشرات والشواهد إلا أن انفجار الملايين الذين فاق عددهم متظاهرو ال25 من يناير عام2011 كان بمثابة الصاعقة التي حلت علي صناع القرار وللهروب من هذا الهول, وحتي لا يدخل في ورع الرأي العام التركي أن هناك ثورة علي الضفة المقابلة بالمتوسط لم يكن أمام الصحف الموالية ومعظمها إسلامية إلا أن تصف الحاصل بالانقلاب العسكري, ولم تنس تلك الأدبيات السيارة أن تعقد مقارنة مع أحداث منتزه جيزي بارك في تقسيم التي كانت تسعي إلي إسقاط حكومة اردوغان, ولكن فشل المخطط نتيجة ذكاء الحكومة وقتها الديمقراطية. وفي صدر صفحاتها الأولي انطلقت يني شفق بعنوان مرسي الرجل الصامد في وجهه الدبابات أما صباح فوجدت فيه انقلابا مشابه لمرحلة28 فبراير الشهيرة, التي مهدت للإطاحة بحكومة نجم الدين اربكان أحد الآباء الروحيين للإسلام السياسي في نسخته الأناضولية منتصف عام1997, واعتبرته صحيفة زمان, ضربة للديمقراطية في مصر وبدورها ذهبت صحيفة ستار مؤكدة أن الجيش المصري أطاح بالرئيس المنتخب من شعبه وأخيرا ختمت صحيفة يني عقد حملة الرثاء علي ما يجري بقولها أنه يوم اسود بتاريخ مصر. واعتبارا من اليوم الثاني وحتي الآن كم هي البرامج الحوارية التي استضافت خبراء ومهتمين وامتدت لساعات علي مختلف الفضائيات خصوصا تلك التي تشرف عليها الدولة وكلها بلا استثناء أجمعت علي أن الانقلاب العسكري ضربة موجعة للديمقراطية وسيكون له أضرار بالغة سياسيا واقتصاديا, وأنه ليس ضربة ضد مصر فحسب وإنما أيضا لتركيا وغزة وسوريا في حين أن إسرائيل هي الطرف المستفيد منه, وعموما فمصير كل انقلاب عسكري الفشل الذريع, بيد أنه في حال خروج الرئيس مرسي من هذا المأزق بنجاح آنذاك سيعزز قوته الديمقراطية, عكس ذلك قد تندفع البلاد إلي حرب أهلية. في المقابل أبدت الدوريات الموصوفة بالعلمانية( المحجوبة إجمالا عن الميديا المرئية) دعمها بشكل غير مباشر للانقلاب الشعبي في مصر من خلال الإشارة إلي أن ما جري في أرض الكنانة هو سقوط وفشل لما يسمي بالإسلام السياسي ومعه الشخصيات السياسية التي تستخدم الدين لصالح سياستها مؤكدة انه لا يمكن خداع الناس بالاكتفاء فقط بترديد مقولات دينية. وهنا قالت صحيفة ايدنلك أن اردوغان قدم دعمه الكامل للحركة الشعبية في ميدان تحرير ضد حسني مبارك التي حسمها أيضا الجيش, ولكن اليوم يقف رئيس الحكومة ضد إرادة الشعب المصري في نفس الميدان للإطاحة برئيسه مرسي الذي لم يقدم له أي شيء عدا استغلال منصبه لصالح حزبه الحرية والعدالة, أما تبرير موقفه الداعم للأخير كنوع من شجب الدور التأمري للقوي الخارجية التي ضغطت علي الزر لإسقاط حكومة مرسي الشرعية التي جاءت عن طريق صندوق الانتخابات, فهو حق يراد له باطل لان اردوغان ببساطة يخشي أن يصبح30 يوينو نموذجا يطيح في النهاية بسلطته, المستمرة منذ عشر سنوات, التي يريد أن يتوجه باعتلائه سدة رئاسة الجمهورية العام القادم وراجعت صحيفة وطن تهاوي مرسي كونه ربط مصير بلاده بتركيا واردوغان من خلال وقوفه ضد نظام بشار الأسد في سوريا والاستمرار إضافة إلي علاقته المتنامية مع كل من إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية. ورسميا يبدو أن أنقرة عازمة علي المضي قدما في تأييدها للشرعية الدستورية التي أوصلت الرئيس مرسي للحكم بعد انتخابات حرة وعادلة ونزيهة ينبغي احترام من صوتوا فيها, وهو ما يعني أن العاصمة التركية, لن يكون في قاموسها الثلاثين من يوينو, اللهم أنه يوم عزل الرئيس المنتخب ديمقراطيا من قبل الجيش, لكن الشيء المثير أنه في الوقت الذي عبر فيه رئيس الحكومة يوم الأحد الماضي, للامين العام بان كي مون عن قلقه من تنامي العنف في مصر, مطالبا بعودة الديمقراطية فورا, كانت خراطيم المياه وشلالات من الغازات المسيلة للدموع تنهمر علي الآلاف من شباب إسطنبول الذين أرادوا فقط التجمع بقلب المدينة بميدان تقسيم.