يقع بعض المسلمين خلال الشهر الكريم في اخطاء معلقا اياها عليشماعة الصيام,من هذه الأخطاء التكاسل والخلود الي النوم والاسترخاء,والتقاعس عن أداء اعمالهم في حياتهم المعيشية والوظيفية. ويصل الامر في بعض الاحوال الي تعطيل مصالح الناس,بما يلحق الضرر بالآخرين,مع ان هذا عكس ما تهدف اليه مبادئ وأخلاق الشهر الكريم. ودعا علماء الدين الي ضرورة التحلي بأخلاق شهر الصيام,والابتعاد عن كل مامن شأنه ان يضيع ثواب الصيام,مؤكدين ان اتقان العمل واجب وضرورة شرعية في رمضان وغيره من شهور السنة,قال تعاليإنا لانضيع أجر من أحسن عملا. الأسلام بين العمل والعبدة ويقول الدكتور أحمد عيسي المعصراوي استاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر,إن العبادة والعمل في الإسلام صنوان لا يفترقان وقيمتان متلازمتان, فالعبادة عمل يسعي به المسلم إلي إرضاء ربه ومولاه, وهي المقصد الأسمي والأعلي من خلق الإنسان, قال سبحانه وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين. والعمل عبادة لأنه يحقق معني الاستخلاف في الأرض الذي هو الغاية أيضا من خلق الإنسان, قال عز من قائل هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب, لذا فقد ربط سبحانه بين الصلاة كعبادة والسعي في الأرض كعبادة أيضا, قال تعالي فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. الصيام ليس حجة لترك العمل وأشار الي ان النبي صلي الله عليه وسلم ربط بين الصوم والعمل, فعن أبي سعيد المقبري, قال: حدثني أسامة بن زيد: قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلي رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم, لذا فقد رفض صلي الله عليه وسلم جعل الصوم تكأة وحجة لترك العمل, والتعلل به وجعله سبيلا إلي العنت والمشقة. وأوضح أن المسلمين هم الذين حولوا هذا الشهر إلي شهر كسل وتراخ بما يسهرونه من الليل وينامونه من النهار, ولو أنهم صاموا حق الصيام, وتحروا الوصول إلي مقاصد الصيام العظيمة لتحقق للأمة في هذا الشهر من الكفاية الإنتاجية ما يكفيها باقي السنة. شهر العمل والانتصارات ومن جانبه يؤكد الدكتور عطية مصطفي استاذ الثقافة والدعوة الاسلامية في كلية اصول الدين بجامعة الازهر,ان تاريخ المسلمين الطويل شاهد علي أن هذا الشهر هو شهر الإنتاج والعمل, وشهر الانتصارات الكبري, حين تهب ريح الإيمان, ونسمات التقوي, وتتعالي صيحات الله أكبر فيتنزل النصر من الله تعالي, علي قلة العدد وقلة العدد. وأشار الي ان المسلمين الأوائل قد فهموا أن شهر رمضان شهر جهاد وعمل لا شهر نوم وخمول وكسل, وأنه لا تعارض بين العبادة والتهجد لله رب العالمين وبين الجهاد لتحقيق معاني الاستخلاف علي هذه الأرض, ومن أشهر الانتصارات الكبري للمسلمين في شهر رمضان, في العام الثاني من الهجرة, وفي شهر رمضان المبارك وقعت معركة بدر الكبري و هي من أهم المعارك الإسلامية, كيف لا وهي المعركة الأولي التي فصل الله فيها بين الحق والباطل, فكانت كلمة الله هي العليا وكلمة الباطل السفلي؟! كيف لا وهي أولي معارك الدولة الإسلامية؟! ولو لا أن الله كتب النصر في هذه المعركة لدينه ونبيه وجنده لاندثر الإسلام ولم تقم له قائمة, كما كان يخاطب النبي صلي الله عليه و سلم ربه اللهم إن تهلك هذه العصابة, فلن تعبد في الأرض, وفي السنة الثامنة للهجرة, كان الفتح الأعظم, فتح مكةالمكرمة, وتطهيرها من الرجس والأوثان والمشركين, وعلت كلمة الحق في حرم الله, وعاد إليها رسول الله صلي الله عليه و سلم, هو وصحبه بعد ثماني سنوات قضوها في المدينة مجاهدين ناشرين لدين الله,وفي الثالث عشر في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه, كانت موقعة البويب علي ضفاف نهر الفرات في بلاد فارس, بوصية من أبي بكر الصديق رضي الله عنه خليفة رسول الله صلي الله عليه و سلم, و كان قائد المسلمين المثني بن حارثة, و انتصر المسلمون علي الفرس, وارتفع فيها لواء الإسلام. وأكد أنه في رمضان عام92 ه, فتحت الأندلس علي يد طارق بن زياد, بعد أن انتصر المسلمون علي جيوش القوط بقيادة لوزريق, و كان يوما من أيام الله المباركة, و سيطر فيها طارق علي الجبل الذي سمي باسمه,وفي عام223 ه كان فتح عمورية, إحدي أقوي وأمتن الحصون الرومية آنذاك,كانت الجحافل الإسلامية في هذا الفتح تحت قيادة الخليفة العباسي المعتصم بالله, و سبب هذا الفتح العظيم أن الروم أغاروا علي المسلمين, وأسروا منهم أعدادا كبيرة, ووصل إلي المعتصم خبر استنجاد امرأة مسلمة به, بقولها:وامعتصماه ولم يكد يسمع هذه الاستغاثة حتي جهز جيشا جرارا, وأعده بعدة و عتاد لم يسمع له مثيل من قبل علي مر التاريخ, و سار علي رأس الجيش إلي عمورية ملبيا النداء, وهزم الروم و فتح عمورية. فلنجعل من شهر رمضان فرصة لإتقان العمل لأن إتقان العمل دليل علي التقوي والتربية علي التقوي أول أهداف الصيام. كيفية تنظيم الوقت في شهر رمضان شهر الجهاد والعمل شهر الانتصارات, ما أحوجنا إلي أن ننظم فيه أوقاتنا, فإذا أردنا أن ننهض من جديد ونبني حضارتنا فلا بد إذن من المحافظة علي الأوقات والتخلص من الأشياء التي تضيع الوقت, فما أحوجنا أن نخطط كيف ننظم أوقاتنا; فالوقت له قيمة عالية في حياة كل إنسان; فالوقت أغلي من الذهب!! كيف ذلك؟ الوقت إذا ضاع لا يمكن إرجاعه, أما الذهب فمن الممكن أن تعوضه إذا فقدته, وديننا الإسلامي دعانا لأن نكون أشد حرصا علي الوقت ولا نهمله ولا نضيعه, فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: الا تزول قدما عبد يوم القيامة حتي يسأل عن عمره فيم أفناه وعن علمه...وفي الحديث الآخر: اغتنم خمسا قبل خمس... فراغك قبل شغلك... وحياتك قبل موتك, فبما أن الوقت هو الحياة فيكون المعني: اغتنم وقتك هذا الذي هو حياتك قبل أن يأتيك الموت فتنقطع عن الدنيا; ولذلك فيجب علي المسلم أن تكون عنده غيرة شديدة علي وقته, يجب أن يتضايق جدا إذا ضاع وقته فيما لا ينفع, فهذا من شأن عباد الله العقلاء. وعن كيفية إدارة الوقت في رمضان يقول الدكتور محمد سعدي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومدرس البلاغة بجامعة الأزهر, إن الوقت هو أغلي ما يتملكه الإنسان, وإدارة الوقت واغتنام الفرص هي ما يتميز به الإنسان الناجح, ومن السنن الإلهية في الكون سنة التفضيل مثل تفضيل بعض الأزمنة علي بعض, والمسلم دائما يراعي فقه الأولويات, و فقه الأولويات هو: معرفة ما هو أجدر من غيره في التطبيق وإضاعة الوقت أشد من الموت كما يقول ابن القيم لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها. وقد كان السلف الصالح يحرصون علي زيادة أعمالهم الصالحة واستثمار أوقاتهم, واغتنام ساعات الليل والنهار. قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت علي شيء ندمي علي يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي. ومن أسباب اغتنام الأوقات التخطيط المسبق للفوز بها, وشهر رمضان منحة ربانية لزيادة الأعمال الصالحة وتكفير الذنوب الماضية فهو شهر صوم نهاره يغفر الله به الذنوب من فقه الأولويات اغتنام شرف الزمان في العبادة فرمضان شهر القرآن وقد كان أمين الوحي جبريل يدارس الرسول صلي الله عليه وسلم القرآن في رمضان فعن فاطمة عليها السلام: أسر إلي النبي صلي الله عليه وسلم: أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة, وإنه عارضني العام مرتين, ولا أراه إلا حضر أجلي رواه البخاري. لذا كان من عمل الصحابة والسلف الصلح أن يزيدوا أورادهم القرآنية في هذا الشهر, ورمضان شهر القيام فالمسلمون لا يجتمعون علي القيام إلا في هذا الشهر فليكن من أولويات الصائح الحرص علي صلاة القيام رجاء حصول ثوابها, ورمضان شهر الاعتكاف فعن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: كان النبي صلي الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام, فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما روه البخاري. ومن فقه الأولويات الحرص علي الاشتغال بذكر الله طوال اليوم: قال النبي صلي الله عليه وسلم أليس يتحسر أهل الجنة إلا علي ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله تعالي فيها رواه الطبراني. ومن فقه الأولويات كثرة المكث في المسجد والإقلال من مخالطة الناس وكان أبو هريرة رضي الله عنه وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد.. وقالوا: نحفظ صيامنا! ولا سيما في العشر الأخيرة قال ابن القيم رحمه الله اوالأفضل في العشر الأخير من رمضان لزوم المسجد فيه والخلوة والإعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم, حتي إنه أفضل من تعليمهم العلم وإقرائهم القرآن عند كثير من العلماء. ومن فقه الأولويات الحرص علي تحصيل ثواب الشهر كاملا واستثمار فضائله من مغفرة للذنوب, ودعوة الصائم المجابة, وأن أجر الصائم لا يعلمه مقدار إلا الله, وهذا يتأتي بالبعد عن الأشياء لتي تبطل الصوم أو تقدح في كماله وتحصيل أجره كالغيبة والنميمة أو مشاهدة ما لا ينبغي قال النبي صلي الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه. رواه البخاري. كيف تضيع الأوقات؟ تضيع الأوقات في أمور متعددة منها ما يلي: 1- النوم, والأكل, والكلام, كما ذكر ابن القيم رحمه الله, فالإسراف فيها مضيعة للوقت فإذا زادت عن حدها صارت مضيعة للوقت, 2- وسائل اللهو من البرامج والمسلسلات, والجرائد والمجلات, والألعاب والمباريات والمسابقات, وغيرها, فإنها كثيرا ما توقع في المحرمات, ولا حول ولا قوة إلا بالله, وهذا حدث عنه ولا حرج, والخوض في هذا يدعو للأسي: كيف يضيع التليفزيون أو المسلسلات أوقات المسلمين؟ أو هذه المجلات الفارغة التافهة المنتشرة في الأسواق كيف تضيع أوقات المسلمين والمسلمات؟ هذا شيء في غاية العجب!!! 3- قضية التسويف, والتسويف هذه مشكلة كبيرة, داء كبير يحرم من خيرات كثيرة دنيوية وأخروية, والتسويف عادة يحدث للمهمات الضخمة والصعبة, متي يبدأ الناس يؤجلون ويسوفون؟ عندما تكون المسألة صعبة, فلذلك يجد في نفسه دافعا للتأخير. ولا بد أن تعلم أيها الأخ المسلم الفرق بين التسويف والتريث, فالتريث يعني أنك تنتظر الفرصة المناسبة, قد تكون الإمكانات والأدوات عندك غير متوفرة, لم يحن الوقت المناسب بعد, بينما التسويف أنت تدفع الأمر مع استطاعتك أن تعمله الآن, والحاجة إليه قد قامت, ووقته قد حان, ولكنك تتعذر بأعذار واهية, تقول: ما عندي وقت, لا أستطيع أن أفعله وحدي, أنتظر من غيري أن يساعدني, سأحاول.. سأحاول. وهناك بعض الناس يشغلون أنفسهم بقضايا تشعرهم أنهم يستفيدون, مع أنهم غفلوا عن أمور أساسية كثيرة, فيتهرب من الشيء المهم ويؤجله, ويشغل نفسه بأشياء تافهة وجانبية, فلو أن إنسانا عنده غدا امتحان, المفروض أن ينشغل به, ولكنك تجد أنه يرتب الطاولة والخزانة والكتب, وينشغل بهذه الأشياء, ويقنع نفسه أنه يفعل شيئا مهما, بينما هو غافل عن الشيء الأساسي.