صدمة لا تزال ترسل توابعها من جراء تعيين أول إفريقية وزيرة بالحكومة الإيطالية. فجلوس تشيشيلي كينجي ذات الأصول الكونجولية علي مقعد السلطة للمرة الأولي في تاريخ إيطاليا, أحدث ارتجاجا بالمجتمع.. وتصاعد الجدل عما إذا كانت إيطاليا دولة عنصرية. جاءت كينجي من الكونجو الديمقراطية إلي ايطاليا للمرة الأولي عام1983 حين كان عمرها19 عاما, بعدما حصلت علي منحة لدراسة الطب في جامعة القلب المقدس بالعاصمة روما. وقد ولدت في منطقة كامبوف في إقليم كاتانجا بالكونجو لعائلة ثرية, حيث كان والدها عمدة إحدي القري و قد تزوج من4 نساء وأنجب39 طفلا. استقرت كينجي بايطاليا وانضمت للحزب الديمقراطي اليساري حتي انتخبت عضوا بالمجلس المحلي لمدينة مودينا عن حزبها اليساري عام.2004 متزوجة من ايطالي ينتمي لإقليم كالابريا الجنوبي ولديها ابنتان طالما تعرضتا للإهانات العنصرية بسبب لونهما. دخلت مكتبها علي رأس وزارة الاندماج المجتمعي نهاية ابريل الماضي وهي تحمل بحقيبتها آمال الآلاف من المهاجرين علي الأراضي الايطالية الذين يتنسمون ثقافتها و يكنون عاطفة الانتماء لها دون أن يحملوا جواز سفر ايطاليا. لكن الأرض التي وقفت عليها كينجي كانت رخوة, فقد انقسم الرأي العام الإيطالي بشكل حاد إزاء خطط الوزيرة بمنح الجنسية لأبناء المهاجرين تلقائيا. وانطلقت الحملات الشعبية علي مواقع التواصل الاجتماعي لجمع التوقيعات ما بين مؤيد ومعارض لهذه الخطط. وانضم إلي الصراع نجوم مجتمع مثل اللاعب الشهير ماريو بالوتيللي ذي الأصول الغانية الذي لم يحصل علي الجنسية الايطالية سوي عام2008 مع بلوغه سن ال.18 في المقابل, شنت حركات و أحزاب سياسية حملة مناهضة طالت الوزيرة شخصيا, مما أشعل نيران التوتر العنصري وبخاصة في مناطق الشمال. وكانت أول لكمة تلقتها كينجي من حزب رابطة الشمال اليميني, عندما صرح ماريو بورجيزي أحد قياديي الحزب والنائب بالبرلمان الأوروبي, بأن كينجي ستفرض العادات القبلية للكونجو علي الايطاليين. وأطلق حزب فورتسا نوفا اليميني المتطرف حملة علي شبكة الانترنت تحت عنوان الهجرة تقتل, مستغلا حادث عنصري هاجم فيه غانيا بعض المارة من الايطاليين في مدينة ميلانو شمال ايطاليا. وعلق' فورتسا نوفا' لافتة كبيرة خارج مقر الحزب الديمقراطي اليساري في مدينة ماتشيراتا شمالا, تقول: كينجي.. عودي الي الكونجو. ووسط سيل من الهجوم, استغل بعض أعضاء حزب رابطة الشمال' اليميني المناهض للمهاجرين ربط حادث هجوم المهاجر الغاني بالنبرة الرسمية الأكثر تسامحا مع الهجرة التي أفصحت عن نفسها بتعيين كينجي وزيرة. وحذر زعيم حزب رابطة الشمال روبرتو ماروني من أن مساعي الوزيرة خاطئة, ربما تثير موجة جديدة من توافد المهاجرين غير الشرعيين و بخاصة القادمين من شمال إفريقيا. وأكد أن بلاده لن تقبل مطلقا بحصول أبناء المهاجرين المولودين علي الأراضي الإيطالية علي الجنسية بمجرد المولد, مؤكدا أن هذه هي الرسالة الأخري التي بعث بها تعيين كينجي في هذا المنصب.. ومع توالي الاهانات ضد الوزيرة الجديدة, فتح القضاء الايطالي في مدينة مودينا تحقيقا عما اذا كانت التجاوزات ضد كينجي تحض علي الكراهية العنصرية. لكن الامتعاض الشعبي إزاء منح أبناء المهاجرين الجنسية لم يتوقف عند الحركات اليمينية المتطرفة, في وقت يزاحم فيه المهاجرين أبناء البلد الأصلي في الحصول علي فرص العمل والرعاية الصحية والتعليم. وضمت حركة خمس نجوم صوتها إلي المعارضين. وطالب بيبي جريللو مؤسس الحركة بطرح قضية منح الجنسية كحق يثبت بالميلاد علي الأراضي الايطالية للاستفتاء الشعبي. دفع اضطهاد جانب كبير من الرأي العام للوزيرة, سائر أعضاء حكومة ليتا إلي إعلان تضامنهم مع كينجي. وانزلقت وزيرة الخارجية ايما بونينو الي التعليق علي الأمر قائلة إن' التعصب المتزايد تجاه المهاجرين غير الشرعيين والذي أظهرته بعض الحركات الشعبوية, يعرض للخطر الطبيعة المنفتحة والشمولية لمجتمعنا. لكن مشاعرهم النبيلة لن يكون بإمكانها تغيير واقع الآلاف من المهاجرين علي الأراضي الايطالية, خاصة بعدما أكد أنجلينو ألفانو نائب رئيس مجلس الوزراء الإيطالي عن حزب شعب الحرية اليميني, أن قضية منح الجنسية لأبناء المهاجرين لا تحتل الأولوية علي أجندة الحكومة. ربما تكون كينجي أدركت أنه لن يكون بإمكانها إحلال العدل الذي تراه في المجتمع.. وقد لا يزيد دورها في الواقع عن مجرد نكأ ضمير الايطاليين.