دائما ما كانت العلاقة بين الجيش المصري والشعب علاقة فريدة من نوعها تحمل قدرا كبيرا من التقدير والاحترام المتبادل استنادا إلي عقيدة الجيش التي تقوم علي حماية الشرعية وحماية ابناء هذا الوطن واحتفاء بالتضحيات التي قدمها في حرب اكتوبر73 واتضح ذلك بشدة فور قيام الرئيس السابق مبارك بإصدار أوامره بسحب قوات الداخلية وانزال قوات الجيش لتحل محلها فاستقبلتها الجماهير بالميدان استقبال الفاتحين, وحرصوا علي تحيتهم والتقاط الصور التذكارية معهم ونتيجة لتلك العلاقة والثقة المتبادلة تقبلت تلك الجماهير قيام المجلس العسكري بإدارة شئون البلاد بالترحاب الشديد ثقة منها في انحياز الجيش لشعبه ولتأكيده علي اعترافه بالشرعية الشعبية لثورة الخامس والعشرين من يناير وعزمه علي تسليم البلاد لسلطة مدنية منتخبة. إلا أن تلك العلاقة لم تسر علي وتيرة واحدة خلال الشهور الأخيرة, شهدت صعودا وهبوطا بفعل التفاعل بين موازين القوي المختلفة( ميدان التحرير- الأحزاب السياسية- المجلس العسكري- الأغلبية المتفرجة) حيث بدأ الاصطدام الأول بالإعلان الدستوري الذي منح المجلس العسكري صلاحيات تشريعية نتج عنها إصداره لعدد من التشريعات المثيرة للجدل مثل قانون تجريم الاعتصامات وقانون الأحزاب والانتخابات قبل أن يتم تعديله بالإضافة إلي ظهور حكومة شرف أمام الرأي العام بموقف الحكومة العاجزة حتي عن تقديم استقالتها واعتبار البعض لها بأنها مجرد واجهة لسلطات المجلس التنفيذية والتشريعية والسياسية واعتبر الكثيرون أن المجلس العسكري فشل في إدارة المرحلة الانتقالية وأنه حريص علي إبقاء نظام مبارك كما هو نتيجة لتباطئه في إصدار قانون العزل السياسي لرموز نظام مبارك بالإضافة إلي عدم استجابته لتحقيق اي مطلب من مطالب الثورة إلا بضغط من الميدان. بلغ التصادم أشده مع بروز الوثيقة التي اقترحها المجلس العسكري وكلف الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء بحكومة شرف المعدلة بطرحها علي القوي السياسية والتي عرفت إعلاميا ب وثيقة السلمي والتي قوبلت بغضب شعبي من كافة القوي السياسية وميدان التحرير نتيجة لما تضمنته من منح المؤسسة العسكرية وضعا خاصا بالإضافة إلي السماح للمجلس العسكري بالتدخل في وضع الدستور مما اعتبره البعض التفافا و انقلابا من قبل المؤسسة العسكرية علي شرعية ثورة الخامس والعشرين من يناير التي جاءت لتنهي أكثر من30 عاما من عسكرة الدولة وسيطرة المؤسسة العسكرية عليها استنادا لكون أحد أهم مطالبها هو إدارة البلاد من قبل سلطة مدنية منتخبة, استمر المؤشر في الهبوط تدريجيا منذ أحداث محمد محمود الشهر الماضي وصولا إلي أحداث مجلس الوزراء مؤخرا حيث صدم التعامل العنيف والاستخدام المفرط للقوة من قبل جنود الجيش تجاه المعتصمين والمتظاهرين قطاعا عريضا من الشعب المصري الذي أفزعته مشاهد سحل الجنود وضربهم للفتيات وقيامهم بإلقاء الحجارة علي المتظاهرين من أعلي مبني مجلس الوزراء واحتجازهم لعشرات الشباب الذين لم يتم الإفراج عن معظمهم بعد, ليبرز مع هذا المشهد مقارنة بين صورة أخري استحضرها المصريون في أذهانهم عندما تذكروا مشهد النقيب ماجد بولس الذي لقبوه بأسد الميدان وهو يبكي لشعوره بالعجز عن حماية المتظاهرين بميدان التحرير في الايام الأولي للثورة وأحد المعتصمين من شباب الميدان يقبل رأسه ويمسح دموعه تشجيعا له متسائلين عن سر هذا التحول المفزع في تعامل جنود الجيش مع الشعب. أثارت تلك المشاهد القلق داخل نفوس الكثيرين الذين أصبحوا أكثر إصرارا علي المطالبة بتسليم السلطة وعودة الجيش لثكناته نتيجة لما تبين لهم من سوء إدارة المجلس العسكري للمرحلة الانتقالية ووضع الجيش في مواجهة مع الشعب مما ينذر بوقع كارثة إذا ما استمر ذلك, فعاد الميدان من جديد ليهتف بسقوط النظام, كما هتف بإسقاط مبارك في الأيام الأولي للثورة ولكن هذه المرة هتف بسقوط حكم العسكر وطالب نشطاء باستمرار استخدام الميدان كقوة ضغط بجانب استكمال الانتخابات البرلمانية وظهرت مبادرات عديدة من قبل نشطاء ونواب وقوي سياسية لتسليم السلطة إلي مجلس الشعب المنتخب, وتبكير انتخابات الرئاسة لتصبح في أبريل القادم علي أقصي تقدير.