كان أبوه موسي كاظم الحسيني رئيس بلدية القدس هو أول من رفع صوته في وجه الإنتداب البريطاني, حيث دعا الفلسطينيين إلي الإحتجاج والتظاهر وإعلان السخط والغضب ضد وعد بلفور, وتولي قيادة أول مظاهرة شعبية في تاريخ فلسطين المعاصر عام1920 وبسبب ذلك عزله الإنجليز من منصبه, لكنه لم يكترث, واستمر نضاله الدؤوب من أجل وطنه, وكانت آخر مظاهرة اشترك فيها بيافا عام1933, حيث أصيب بضربات هروات قاسية من قبل الجنود الإنجليز, ظل إثرها طريح الفراش حتي فارق الحياة بعدها بعام.... وفي هذه البيئة ولد ابنه عبد القادر, ونشأ1908 منذ نعومة أظافره, ورضع مباديء النضال, وتلقي علومه بزوايا القدس ومدارسها, وقرأ كتب التاريخ والأبطال والفاتحين, وتشرب تاريخ وطنه الذي كانت تدبر له المخططات, واشترك منذ صباه الباكر في المظاهرات الوطنية, واهتم بجمع الأسلحة والتدرب عليها منذ أن بلغ الثانية عشرة, ثم شد الرحال إلي مصر, حيث درس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة, والتقي بأقرانه من البلاد العربية, حيث نما حسه القومي والإسلامي, ولما عاد حاولت السلطات البريطانية استقطابه, لكنه اختار العمل بالصحافة, وانضم بعدها إلي الحزب العربي الفلسطيني, وبدأ نشاطه به, مما أثار حفيظة سلطات الانتداب ضده, فوظفه في وظيفة مأمور تسوية الأراضي, بهدف شغله بشئون الأراضي والزراعة وإبعاده عن مجال السياسة, ولكنه استطاع عبر هذه الوظيفة أن يتصل بمواطنيه في القري الفلسطينية المختلفة, وأن يبث فيهم روح الجهاد والوطنية, ويشكل منهم خلايا سرية, ويجمع من موسريهم المال لشراء السلاح, وتدريب الشباب علي استعماله, لمواجهة الخطر الصهيوني الذي بدأ يستفحل, وينفذ مخططاته في الأراضي الفلسطينية, ثم استقال من منصبه ليشكل منظمة واحدة تضم جميع التنظيمات السرية الفلسطينية, أطلق عليها اسم' منظمة الجهاد الإسلامي', وأصبح قائدا لها, وكان أول من أطلق شرارة القتال عام1936, حينما هاجم ثكنة بريطانية في شمال غربي القدس, ثم انتقل من هناك إلي منطقة القسطل, وعمت الثورة بعدها جميع الأراضي الفلسطينية, واستطاعت أن تجذب المقاتلين العرب من كل مكان, وفي إحدي معاركه ببيت لحم تمكنت القوات البريطانية من أسره, لكنه نجح في الفرار من المستشفي العسكري في القدس, بفضل رفاقه, الذين هربوا به إلي دمشق حيث أكمل علاجه, ثم عاد إلي فلسطين عام1938 ليتولي ثانية قيادة الثوار في القدس, وينجح في القضاء علي فتنة سعي الانتداب البريطاني لإحداثها بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين. ثم تنقل بين العراق والقاهرة, واقام صلات واسعة بجهات عربية عديدة, ثم عاد مجددا إلي فلسطين عام1944 لمقاومة خطة الأممالمتحدة لتقسيمها, وقرر مواجهة الخطط الإستعمارية الصهيونية بالقوة المسلحة, وقرر إنشاء جيش الجهاد المقدس الفلسطيني, الذي تمكن من إجبار115 ألف يهودي علي الإستسلام في مدينة القدس نتيجة حصارهم, وقام الجيش بعدة معارك, ونصب مئات الكمائن للقوافل اليهودية والإنجليزية, وقام بنسف وتدمير الكثير من المباني اليهودية. ضرب فيها عبد القادر ورفاقه أروع الأمثلة في البطولة والفداء في ملاحم بطولية, تكبد اليهود فيها خسائر فادحة. وتكلل جهاد عبد القادر الحسيني بمعركة القسطل, و كان اليهود قد استطاعوا احتلالها, وهي في موقع تمكنهم من التقدم إلي القدس; فسارع عبد القادر إلي دمشق حيث القيادة العربية لمنطقة القدس, وطالب بالسلاح والرجال, فرفضوا, فطلب السلاح فقط, فرفضوا, فطلب الذخيرة فقط فرفضوا, ولم يرجع إلا ببضع بنادق وثمانمائة جنيه فلسطيني, هي كل ما استطاع الحاج أمين الحسيني بشخصه تدبيره له. وجمع القائد عبد القادر رجاله وسلاحه وهاجم القسطل عند الفجر, وقاتل فيها من بيت إلي بيت, حتي استطاع رفع العلم الفلسطيني عليها قبل غروب شمس يوم8 من إبريل1948, ولكنه أصيب عدة إصابات برصاص العدو استشهد علي إثرها,بعد عمر حافل بالعطاء والفداء, وهو في الأربعين من عمره... لتظل دماؤه الزكية ودماء سائرالشهداء الفلسطينيين علي مر العصور ترسم درب التحرر والنضال للأجيال الفلسطينية جيلا بعد جيل.