استغلت إثيوبيا- بتحريض من إسرائيل- الوضع الداخلي في مصر المرشح للإنفجار نتيجة حالة الاستقطاب الشعبي والتناحر السياسي وقامت بتفجير مشكلة المياه من جديد, من خلال الشروع في بناء سد النهضة; وذلك ظنا منهما بأن مصر ستقف مكتوفة الأيدي أمام تهديد أمنها القومي في شقه المائي. ولكن هل لا تمتلك مصر فعليا أي ورقة ضغط حقيقية علي إسرائيل لوقف التحريض ضدها باسم المطالبة بعدالة توزيع المياه؟. فعلي الرغم من نفي إسرائيل تورطها في مشروع سد النهضه, منتقدة نظرية المؤامرة فإنه يمكن الرد علي إسرائيل بأن نظرية التحليل المؤسسي والتي يطلق عليها نظرية المؤامرة من جانب الذين لا يريدون الكشف عن حقيقة المخططات الصهيونية في المنطقة والتهوين من دور إسرائيل في العبث بالأمن العربي, تلك النظرية التي رد لها الاعتبار الكاتب والمفكر جلال أمين في مقالته في جريدة الشروق يوم السبت الموافق15 يونيو2013 والتي أري أنها الأنسب في استقراء و تفسير وتحليل واستشراف ما وراء التحريض الإسرائيلي لإثيوبيا لبناء ذلك السد. حيث أن ضلوع إسرائيل وتورطها ليس افتراء وتجنيا عليها بل هو واقع ملموس, يعود إلي أطماع تاريخية مشتركة إسرائيلية إثيوبية في منطقة القرن الإفريقي وسواحل البحر الأحمر, فبالنسبة لإسرائيل فإن مشروعها الصهيوني قائم علي أساس ادعاءات بأن حدود دولة إسرائيل الكبري من النيل إلي الفرات, كما أن أثيوبيا تؤمن بنبوءة الهيمنة الحبشية علي دول حوض النيل. هذا فضلا عن تقديم إسرائيل الدعم الفني والمادي لإثيوبيا في شكل منح وقروض في مجال إدارة الموارد المائية والكهرباء. ومن ثم فإن إسرائيل تعد المستفيد الأول من ذلك المشروع الذي يسعي إلي تركيع مصر, وذلك في حالة افتراض تورط مصر في صراع مسلح مع إثيوبيا, مما يؤدي إلي فقدان مصر المزيد من نفوذها ومكانتها في القارة الأفريقية, فضلا عن حرمان مصر من جزء كبير من حصتها من مياه النيل, وأخيرا احتمال تدمير السد أو انهياره نظرا لوقوعه في منطقة زلازل مما سيتسبب في إغراق جزء كبير من السودان ومصر, وذلك وفقا لأراء ودراسات العديد من خبراء الماء وعلماء الجيلوجيا. وقد كانت البوابة التي سمحت لإسرائيل تحقيق طموحها في منطقة القرن الافريقي وسواحل البحر الأحمر, قرية أم الرشراش( المصرية) التي احتلتها إسرائيل في عام1949 حينما اخترقت القوات الإسرائيلية الهدنة التي فرضها مجلس الأمن الدولي عقب حرب1948 وأطلقت عليها ميناء ايلات في1952 وقد وصفها بن جوريون بأن ميناء ايلات موت وحياة إسرائيل وبدونه لن يكون لإسرائيل أي منفذ علي البحر الأحمر. وقد استطاعت إسرائيل من خلاله قطع التواصل البري بين الدول العربية في شرق البحر الأحمر وغربه, والنفاذ إلي شرق ووسط القارة الأفريقية, وتمكينها من الوصول إلي المحيط الهندي لخدمة الأهداف الاستراتيجية للكيان. وبمقتضاها صار لإسرائيل حق في مياه خليج العقبة. والأخطر من ذلك أن أم الرشراش تتيح للقوات البحرية الإسرائيلية الوصول إلي العمق الجغرافي لمصر والمملكة العربية السعودية والسودان واليمن. ومن ثم فإنه يمكن القول إن مصر بحوزتها ورقة ضغط علي إسرائيل وذلك منذ زمن طويل إلا أنه بفعل الصمت الرسمي المصري ظلت أم الرشراش طي الكتمان, تلك الورقة التي ستردع إسرائيل عن خططها التدميرية ضد مصر لنعلن أن معركتنا ليست مع الأشقاء الأفارقة وأن مصر لن تندفع كما تريد إسرائيل إلي نزاعات خارجية مع الدول الأفريقية وأن المعترك القانوني الواجب خوضه هو مع إسرائيل لاسترداد تلك الأرض المصرية التي تعد شريان الحياة بالنسبة لإسرائيل. وبتلك الورقة سوف يتلاشي تدريجيا الحلم الصهيوني التوسعي من النيل للفرات وتعود إسرائيل مرة أخري خلف جدرانها التي تعكف علي بنائها. ويعد استراداها بالتحكيم الدولي علي غرار قضية طابا من الأمور الممكنة, خاصة وأن مصر تمتلك العديد من الوثائق التاريخية التي تثبت أحقيتها في استعادة أم الرشراش, كما أن المحكمة الدولية التي قضت بأحقية مصر في طابا لم تقم بترسيم الحدود بين مصر وإسرائيل, بل قررت وضع علامات للحدود محل الخلاف, بما يعني إمكانية إقرار أحقية مصر في أم الرشراش. وأخيرا فإن فتح ذلك الملف لا يتناقض مع اتفاق السلام مع مصر, فضلا عن عدم وجود نصوص في القانون الدولي تمنع مصر من المطالبة بأم الرشراش عن طريق التفاوض. وقد شهدت تلك القضية العديد من التحركات القانونية والسياسية لاسترداد المدينة, إلا أنها مازالت بانتظار قرار سيادي من قياة سياسية رشيدة لرفعها للتحكيم الدولي دون الأخذ في الاعتبار الغضب الأمريكي والسخط الإسرائيلي.