الرزق بالأبناء نعمة من نعم الله تعالي التي لا تحصي علي عباده وهم مورد وطاقة وقوة للبلاد التي تحظي بهم, ولكن قد تتحول هذه النعمة إلي نقمة إذا لم نحسن استثمارها والاستفادة منها. ولقد أمرتنا الأديان السماوية بضرورة التعقل والتدبر قبل الأقدام علي أمر من أمور حياتنا, وفي ظل الظروف الصعبة التي تعاني منها البلاد في الفترة الراهنة أصبح تنظيم النسل و ليس تحديده ضرورة تجيزها وتقرها الفتاوي الدينية وذلك حتي لا نصبح كغثاء السيل ويتمكن منا الوهن وتتداعي علينا الأمم. يوضح الدكتور أحمد محمد كريمة- أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر- أنه من المقرر شرعا اتخاذ الأسباب وفقه حقيقة التوكل,والتفرقة بينه وبين التواكل فيما يتعلق بالتناسل والتكاثر,قال الله تعالي'أذكروا فأن كنتم قليل فكثركم' صدق الله العظيم, فهو نعمة وبلاء في آن واحد,نعمة أن أحسن استخدام الطاقات البشرية في العمل والإنتاج ويتحقق ذلك في العالمين الأول والثاني فقط أما الزيادة السكانية غير المنظمة فتعد من باب البلاء ويتحقق ذلك في العشوائية وفي عدم وضع خطط علمية لاستثمار الطاقات في المفيد النافع, وبتفعيل فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد في الفقه الإسلامي فإن الزيادة السكانية بصورتها الحالية تعد من المفاسد لما تجره علي المجتمع من البطالة والعطالة واستنفاذ الإمكانيات الضرورية المتاحة للحياة الآدمية التي تظهر علي سبيل المثال في ضيق المساكن والبناء علي الأراضي الزراعية وندرة فرص العمل وقلة المكاسب وتصاعد الغلاء وانتشار الأمراض وتراجع الخدمات الضرورية للناس واستنزاف الاحتياطي النقدي للمجتمع, وكل ذلك حاصل وواقع وكلها مفاسد, والقاعدة في الإسلام دفع المفاسد مقدم علي جلب المصالح. وعليه فلابد من تفعيل تنظيم النسل وهذا مباح في أصل الشريعة الإسلامية, ولقد روي مسلم وغيره'أن الأعراب كانوا يعزلون' في عهد النبي صلي الله عليه وسلم ورسول الله يعلم والقرآن ينزل ومؤدي ذلك أن هذا أقرار من النبي ولم ينزل تحريم لذلك, مما يعني أن العزل مباح وبذلك يمكن استخدام وسائل المنع الحديثة ولقد قرر علماء الأصول أن اتحاد العلة بين الفرع والأصول وبين المقيس والمقيس عليه وهو ما يجعل تنظيم النسل من الأمور الضرورية المهمة, فليست العبرة بالكثرة العددية ولكن بالحياة الآدمية في الأمور المعيشية والحياتية اللائقة بالإنسان. وبادرنا القمص صليب متي ساويرس- عضو المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذوكس- بقوله' ليكن كل شئ بترتيب ولياقة' هكذا قررت المسيحية وبناء علي ذلك فإن تنظيم النسل لا يخالف شرع الرب علي أن يكون بطرق لا تغضب الله فعلي سبيل المثال الإجهاض خطأ, كما أن التنظيم لا يعني التحديد, ولكن التنظيم المقصود هو ما يعتمد علي ظروف وإمكانيات كل أسرة في تنظيم نسلها والزيادة السكانية ترجع إلي ضعف في الفكر والإدارة فالموارد البشرية ليست عبئا بل طاقة تضاف للمجتمع والاستفادة منها وهي استثمار للموارد يجلب الخير الكثير ويحقق أضعاف الأهداف المطلوبة لتحقيق النهضة والتنمية, فالنسل ليس نقمة ولكنه نعمة وعلي الفرد أن ينظم نسله طبقا لإمكانياته, وعلي مستوي الدولة فيجب استثمار طاقاتها البشرية في الإنتاج ولا تحولها إلي طاقات عاطلة ويمكنها الاستعانة بالمفكرين والخبراء لتحديد كيفية توظيف مواردنا البشرية. وهناك عدة اقتراحات منها علي سبيل المثال تفريغ المحافظات المكتظة بالسكان ونقل عدد من ساكنيها إلي أقاصي البلاد فهناك أراض صحراوية منتشرة في سيناء والصحراء الشرقية والغربية تستوعب نحو200 مليون نسمة واستغلالها بشكل سليم مع توفير الخدمات والمرافق وسبل المعيشة وفرص العمل سيؤدي إلي زيادة رقعة البلاد الإنتاجية ويسهم في التنمية والتقدم المنشود. يقول فضيلة الشيخ محمود عاشور- وكيل وزارة الأوقاف سابقا- قال رسول الله صلي الله عليه وسلم' توشكوا أن تتداعي عليكم الأمم كما تتداعي الأكلة إلي قصعتها, قالوا: آمن قلة نحن يا رسول الله, قال صلي الله عليه وسلم: لا بل أنتم يوم إذا كثير و لكنكم غثاء كغثاء السيل, ولا ينزعن الله منكم المهابة من قلوب أعدائكم ويقذف في قلوبكم الوهن, قال الصحابة: وما الوهن يا رسول الله قال صلي الله عليه وسلم: حب الدنيا وكراهية الموت' والحديث الشريف يوضح أن الخير ليس في الزيادة بلا نفع, ووضعنا الحالي أسوأ من الحال المذكور في الحديث,كما أن التنظيم في جميع شئون الحياة مطلوب وينطبق ذلك علي النسل الذي يعد نعمة علي العباد يجب استثمارها بشكل ايجابي, ولكن مشكلة الزيادة السكانية تكمن في كوننا نزيد ولا نعمل في الوقت الذي نحن في أشد الحاجة لأن نعمل وبجد, وخلال العامين الماضيين استهلكنا أنفسنا وطاقاتنا في الخلاف والانقسام والإضراب والاعتصام والتخاذل والتواكل والتصارع في معارك سياسية أو قبلية, والقليل منا من ظل يعمل. وهناك جهات تريد لنا هذا الحال حتي تظل مصر محلك سر, والمشكلة تظهر جلية في ادارة وقيادة البلاد في جميع قطاعاتها, فعلي سبيل المثال دولة الصين بها كثافة سكانية ولكنهم يعملون ويجتهدون وطالما ان هناك أنتاج فهناك تقدم ولقد غزت بإنتاجها كل دول العالم وأصبحت جميع مستلزمات حياتنا من الصين التي أحسنت إدارة مواردها البشرية, وفي ذات الوقت أصبحنا مع الزيادة السكانية عالة علي الإنتاج العالمي فدواؤنا وغذاؤنا وسلاحنا كله يعتمد علي الاستيراد, فنحن نستهلك ولا ننتج. والإسلام لم يرفض تنظيم النسل ولكنه أكد علي ضرورة التخطيط الجيد في كل شئون الحياة ومنها الحرص علي تربية نشء وذرية صالحة بذلك أوصانا رسول الله صلي الله عليه وسلم ولنا في رسول الله أسوة حسنة لذلك وجب علينا رعاية نعمة الله علينا بحسن توظيفها وإدارتها لتحقيق مصالح البلاد والعباد.