واحة هادئة.. يميزها الامان التام في وقت عز فيه الامان.. صافية هادئة كنفوس اهلها.. بعيدة عن اي مشاحنات.. قريبة من واقع مؤلم يعيشه المصريون.. انها سيوة.. تلك الارض المصرية التي تئن آلام نقص الخدمات فتفتقر لكل شيئ وبها كل شئ ففيها الخير كله. صفاء الطبيعة و كرمها ويحاول اهلها تطوير انفسهم.. ولكن بعدها المكاني يبعدها عن ذاكرة المسئولين.. حيث تقع واحة سيوة في الصحراء الغربية علي مسافة306 كم جنوب غرب مدينة مرسي مطروح اي حوالي900 كيلوا متر تقريبا من محافظة القاهرة.. فالرحلة طويلة تكبدها فريق العمل لنصل الي مطروح في طريق لا بأس به الا ان مسافة ال300 كيلو متر من مطروح وحتي سيوة يفتقر لابسط الخدمات او حتي ارشادات المرور الضرورية.. فاوله يشبه اخره.. طريق مرصوف و صحراء ومرتفعات جبلية من الجانبين.. ولحسن الحظ ان زميلنا سائق الاهرام علاء البحيري يحفظ الطريق عن ظهر قلب وهذا ما اتم رحلتنا بسلام لنصل الي اشهر واحات مصر والتي تبلغ مساحتها حوالي95 الف كيلو مترا ويبلغ اجمالي عدد سكانها30 الف نسمة تقريبا..يعيشون حياة بسيطة راضين عنها الا انهم في كل ورقة حكومية يجدون انفسهم امام مشكلة لا بديل عن مواجهتها هي300 كيلومتر للوصول الي مطروح.. حيث صدمني هذا المبني الهزيل الذي استفزني هيئته الخارجية للدخول الي طياته الداخلية لاكتشف أنه مستشفي مركزي ولكن يفتقر لابسط المستلزمات الطبية.. اما قواعد مكافحة العدوي فهي كلمة سقطت من قاموس مستشفي سيوة.. فالنفايات الطبية ملقاة في سلة مهملات بجوار سرير الاستقبال وقد طفح الكيل منها وبهذا لا احتاج ان انوه عن عدم وجود معدات طبية لندخل مع فريق العمل في صدمة وصمت من هول الاهمال الطبي في صحة30 الف مواطن بخلاف زائريها من السائحين وذنبهم الوحيد الذي اقترفوه انهم اهل الواحة او ضيوف علي طبيعتها الخلابة.. وفجاة شق هذا الصمت الدكتور نجيب راغب عبده نائب مدير مستشفي سيوة المركزي محاولا اصطحابنا لمبني افضل كثيرا غير مستغل لابعادنا عن الواقع المذري في المستشفي.. مشيرا الي انه المبني الجديد للمستشفي والذي انتهي العمل به و لم يسلم حتي الان لصالح المرضي اي انه بلا فائدة كمن يملك ملعقة من الفضة ولا يجد ما ياكله بها.. ولهذا توجهت الي تلك الحجرة المعنونة بغرفة الولادة داخل ذات المستشفي القديم لاري حجرة مرعبة ملقي فيها قطع القطن الملوثة بالدماء بخلاف تصدعات الجدران.. وتساءلت كيف لهذه الحجرة ان تحمل انسانا للحياة ويفوح منها رائحة العدوي والمرض؟ وهنا قاطعني الدكتور نجيب مؤكدا ان لديهم نقصا شديدا في العمالة بكل انواعها ناهيك عن النقص الشديد في اعداد التمريض والمعدات والمستلزمات الطبية وحضانات الاطفال التي نملك اثنين منها واحدة معطلة والثانية تعمل. اما العيادات الخارجية فالتردد عليها كبير خاصة من مرض الانيميا المنجلية وانيميا البحر المتوسط والتي اصبح اصابة الاطفال بها ظاهرة داخل الواحة.. اضافة الي النزلات المعوية وغيرها.. وسألت عن الحالات الحرجة فاكدوا ان ملاذها الوحيد هو النقل بسيارة الاسعاف الي مطروح مسافة3 ساعات كاملة ليكون مات من مات ونزف من نزف و عاش من انقذته العناية الالهية... امتثلت في نهاية جولتي الي الحاح الدكتور نجيب لزيارة المبني الجديد والذي يبدو من الخارج مستشفي بحق لاصطدم في البداية باستشاري عظام يسالني باستنكار ماذا اتي بكم الي هنا؟ يثير دهشتي ويستفزني بسؤال اخر هل اخذتم تصريحا من الامن العام وبسؤاليه كان الصمت ابلغ رد عليهما لان الكلمات قد تطور الامور.. دخلت لاجد المبني الجديد نظيفا بلا مرضي فبه قاعة اتصال عن بعد ولكن المستشفي غير مسموح للاهالي باستخدامه والحجة انه لم يسلم بعد. وعن اسباب هروب اطباء التكليف فيسرد احدهم ان مكافئات التكليف والحوافز المختلفة قلت للنصف.. علاوة علي افتقارنا الي سكن اداري للاطباء او التمريض.. ليتحدث الشيخ عمر راجح شيخ قبيلة اولاد موسي ان المسؤلين يؤكدن ان المستشفي بها22 طبيبا فاين هم؟ كما ان لدينا معمل تحاليل ولكنه معطل و قد تبرع الاهالي بوحدة الغسيل الكلوي ولكنها موجودة هي الاخري ولا تعمل فالمستشفي مجرد وحدة اسعافية فكل ما تفعله هو النقل بالاسعاف للمرضي من سيوة الي مطروح. ويلتقط الدكتور محمد احمد الشابودي اخصائي طب الاطفال طرف الحديث مؤكدا ان مرض الانيميا المنجلية تفشي بين اطفال الواحة ورغم انه مرض وراثي الا ان تحويله لظاهرة لابد ان يستوقف المسئولين لينقذوا اطفالنا قبل ان يصبح غولا يلتهم الجميع لذلك اخذ الشابودي علي عاتقه هذا الملف لانه ابن الواحة مؤكدا ان المجتمع السيوي المغلق قد يكون سببا في تزايد المرضي لذلك نطالب كل المعنيين من المسئولين والمؤسسات الطبية والاهلية علي السواء بضرورة عمل احصائيات للتاكد مما اذا كان تفاقم المرض خطرا ام انه لم يصل لحد الظاهرة خاصة ان الامكانيات المحدودة مكنتني من رصد65 حالة حتي الان.. اصطحبني الدكتور الشابودي الي اسرة بها5 أشقاء يعانون من مرض الانيميا المنجلية وتمزق قلبي عندما رأيت طفلة منهم تزحف في وضع القرفصاء وابتسامتها البريئة تعلو وجهها رغم اصابتها بجلطة اوقعتها طريحة هذه المأساة بين مرض كالغول وفقر لا يرحم.. فهؤلاء الابناء الخمسة هم اشقاء لاثنين غيرهم اما الاب فرجل بسيط يدعي محمود عيسي وكل راتبه700 جنيه.. وهذا المبلغ يجعل الجميع يتخيل كيف يعيش هؤلاء؟ اما الام فهي باكية حزينة و ما اثار بكائي انا الاخري هذا الطفل الذي لم يتجاوز عمره الخامسة وهو يحكي لي حجم الالم الذي يعتصر جسده النحيل ليتنهد الصغير ويقتلع قلبي حينما يصف كيف يرتاح بعد نقل الدم. وتحدث الشيخ فتحي الكيلاني شيخ قبيلة الظناين عن مفارقة غريبة هي ان سيوة تنتج افضل مياه شرب لكل مصر وللتصدير ومع ذلك اهالي سيوة يشربون مياها غير صالحة بالمرة نظرا لارتفاع نسبة الحديد بها فلا توجد لدينا وحدة تكرير حيث تنزل المياة من الصنبور حمراء من شدة ارتفاع نسبة الحديد بها.. والمقتدر هو الذي يستطيع شرب كوب ماء نظيف عن طريق شراء فلتر مياه يصل ثمنه الي2000 جنيه والذي يتم تغيير الشمع الخاص به بصفة مستمرة. ويستطرد الشيخ مهدي عمر مشري احد اعيان قبيلة الحمودات ان مشروع الصرف الصحي بدأ منذ عام2002 مع وعد بتسليمه في عام2007 مكتملا ولكن لم ينفذ منه سوي22% فقط من المشروع. ناهيك عن مشروع مركز الصناعات الحرفية والذي انفق عليه40 مليون جنيه وانتهي العمل به وزودوه بمعدات معطلة لم تعمل ساعة واحدة حتي الان. ويشير محمد عمران جيري إلي ان قطاع الشباب والرياضة يحتاج الكثير من الجهد.. فمن حق الشباب هنا الرحلات والمعسكرات والرياضة والترفيه كغيرهم من شباب مصر. اما السجل المدني فهو موجود كمبني جاهز للعمل ومؤسس ولكن ينقصه جهاز اصدار بطاقات الرقم القومي ليوفر علينا مشقة سفر300 كيلو متر هي المسافة بين مطروح وسيوة لاستخراج شهادة ميلاد او بطاقة هذا ما اكده خالد مسلم احد شباب الواحة واضاف علي ذلك حلم الواحة ان يكون لها صوت في البرلمان فالمرشح لا ياتي لنا الا مرة واحدة قبيل الانتخابات وكفي.