تعالت في الفترة الأخيرة أصوات بعض الأحزاب للمطالبة بتعديل دستوري يعيد الإشراف القضائي علي الانتخابات وتغيير شروط الترشيح للانتخابات الرئاسية. فهل هذه المطالب ممكنة التنفيذ برغم أن الفترة الزمنية الفاصلة بين أقرب انتخابات رئاسية لا تتجاوز عاما ونصف العام؟ في البداية يتحدث الدكتور شوقي السيد, أستاذ القانون وعضو اللجنة التشريعية في مجلس الشوري, عن النص السابق للمادة76 من الدستور, والتي كانت تقضي بأن يوافق مجلس الشعب علي مرشح, وتطرح هذه الشخصية للاستفتاء الشعبي, وبعد التعديل الأخير نصت المادة76 علي حصول المرشح علي نسبة محددة من أصوات أعضاء مجلسي الشعب والشوري, والمجالس المحلية, وهذه النسبة سوف تزداد في ظل الكوتة المخصصة للمرأة والمحددة بنحو64 مقعدا, كما أن النسبة المطلوبة للتزكية من المحليات ستزداد بزيادة عدد المقاعد, وهذا الأمر يشكل صعوبة أمام الطامحين في الترشيح, مشيرا إلي أن المادة76 فتحت الباب أمام الأحزاب لترشيح عضو من اللجان العليا, يكون قد مضي علي عضويته للانتخابات الرئاسية, وفي رأيي انحازت هذه المادة للأحزاب ومنحتها الفرصة لخوض الانتخابات الرئاسية, بعكس الأفراد. والمادة76 كما يقول الدكتور شوقي السيد تم تعديلها مرتين من قبل, الأولي في عام2005 وقد نص التعديل علي أن ترشح الأحزاب السياسية مرشحا لدورة واحدة, وتم التعديل والثاني في عام2007, وبمقتضاها أصبح من حق الأحزاب الترشيح للرئاسة لمدة دورتين, وقد اعترضت علي هذه المادة في حينها, لصعوبة الشروط المطلوبة من الأشخاص الراغبين في ترشيح أنفسهم للانتخابات الرئاسية, برغم تقديرنا الكامل لمنصب, الرئيس, وبما يجب أن يحاط به الترشيح من ضمانات, ومعايير, لكي يكون الراغبون في الترشيح جديرين لهذا المنصب, إلا أنه من الصعب في تقديري الحصول علي النسبة المطلوبة من التزكيات البرلمانية والمجالس الشعبية, كأن هذه المادة تغلق باب المنافسة علي مرشحي الأحزاب فقط دون غيرهم. ومن الناحية القانونية, فإن أي مادة في الدستور لا يمكن الطعن عليها بعدم الدستورية, لأن الطعن في هذه الحالة يستوجب أن يكون النص التشريعي المراد تعديله مخالفا للدستور, والنصوص الدستورية يتم صياغتها وفقا للنصوص التشريعية, ولو كان هناك نص يخالف نصا, فالأمر يحتاج إلي تفسير تشريعي يؤكد سلامة التفسير, وسلامة معني النص, وعلي ذلك فالطعن بعدم الدستورية لا يتأتي إلا بمخالفة القانون أو نص لائحي لنص في الدستور, ومن حق كل مواطن أن يتحدث عن الطموحات الدستورية التي يؤمن بها, في ظل مناخ الحرية الذي تعيشه مصر حاليا. والتعديل الدستوري كما يقول الدكتور شوقي السيد يحتاج إلي آليتين: الأولي أن يطلب السيد رئيس الجمهورية إلي المجلس تعديلا دستوريا يناقشه المجلس, ويتم طرح التعديل للاستفتاء خلال شهرين, أما الآلية الثانية فتتضمن أن يطلب ثلث أعضاء مجلس الشعب تعديل الدستور, وأن يوافق المجلس علي ذلك. علي الجانب الآخر, لابد أن يكون هناك اصلاح حزبي حقيقي, وهذا الاصلاح مهم وضروري للحياة الحزبية, ولا يجب أن تعلق الأحزاب اخفاقاتها علي الآخرين, وأي حزب مسئول عن ضخ دماء جديدة, ومسئول عن وضع برامج تصل إلي الشارع, وألا تتوقف عند حد الشعارات والإثارة. ووفقا للمادة88 فإن هناك لجنة عليا للإشراف علي الانتخابات, ويتم انتداب بعض القضاة إلي اللجان العامة, لكن ليس هناك إشراف علي عملية التصويت, وهنا يقترح الدكتور شوقي السيد أن يمتد الإشراف ليشمل الصناديق وليكون للقاضي الحق في اتخاذ قرار ببطلان الانتخابات من عدمه. أما الفصل في عضوية النواب فهو في البرلمان سيد قراره وفقا للمادة رقم93, ويجب أن يعود الفصل في صحة العضوية إلي يد القضاء كما كان من قبل, حتي نستطيع الحفاظ علي سلامة إرادة الناخبين, واحترامها. ويقول د.إبراهيم حسن أستاذ القانون الدستوري إن مبادرة الرئيس حسني مبارك بتعديل المادة76 تعتبر نقلة نوعية وحضارية حيث فتحت آفاقا جديدة نحو التقدم الديمقراطي وتداول السلطة سلميا, ولكن بعد التطبيق العملي ظهرت آراء تعتبر أن المادة76 من الدستور بعد التعديل تكاد تكون أطول مادة في دساتير العالم وأنها فرضت شروطا تعجيزية علي المرشح المستقل ولكن رغم ذلك فإنها فتحت الباب للأحزاب السياسية للترشيح علي مقعد رئاسة الجمهورية, ولكن لأن كثيرا من الأحزاب السياسية جاءت للساحة بموجب أحكام أصدرها القضاء الإداري, وليست من القاعدة الشعبية وعلي الرغم من وجود26 حزبا في الشارع السياسي المصري إلا أن التجربة لم تحقق النجاح المنتظر ليس بسب الحصار الأمني ولكن لعدم وجود قاعدة شعبية وعزوف المواطنين عن الانضمام للأحزاب باعتبارها هامشية وديكورا سياسيا. ويضيف أن المطالبة بالإشراف القضائي علي الانتخابات أمر ضروري لضمان الشفافية والمصداقية والمكاشفة ونزاهة الانتخابات, ومنع التزوير أو تزييف إرادة الناخبين, كما أكد أن المطالبة بالرقابة الدولية علي إجراءات عملية الانتخابات, لا تعتبر نوعا من التدخل الأجنبي في الشئون الداخلية لمصر بدليل أن مصر تشارك في عملية الرقابة علي الانتخابات في بعض الدول العربية والأجنبية, وهذا يدل علي تعمق الديمقراطية وليس التدخل في الشئون الداخلية, ومن هذا المنطلق يمكن السماح أيضا بالرقابة علي عملية الانتخابات من المجتمع المدني. ويري الدكتور محمد الغمراوي أمين الحزب الوطني بالقاهرة أن الحديث عن تعديلات دستورية قبل أشهر من موعد الانتخابات أمر غير مقبول, كما أن الدستور الحالي متوازن, والمواد76 و77 من الدستور تم تعديلها مرتين, والمطلوب فقط أن تعمل الأحزاب في الشارع, ففي كل دول العالم تتم الترشيحات من خلال الأحزاب وعلي من يرغب في الترشيح الانضمام إلي حزب, وأن يدعو لأفكاره من خلال هذا الحزب, ويقدم نفسه للناس, ومع ذلك فإن المادة76 تتيح للأحزاب, والمستقلين والأفراد فرصة الترشح للانتخابات والتعددية الحزبية مطلوبة, والناخبون هم الفيصل. والإشراف القضائي علي الانتخابات موجود, وقد كنا نجري أخيرا انتخابات برلمانية في دائرة الجمالية, وأسفرت نتيجة فرز الأصوات عن الإعادة بين مرشحي الحزب الوطني, في منافسة شريفة, وكانت منظمات المجتمع المدني تتابع هذه الانتخابات وتراقبها. أما الدكتور عبدالرحمن سليم, أمين الحزب الوطني في بني سويف, فيشير إلي أنه لا توجد مبررات معقولة, ومنطقية, مقبولة, حاليا لتعديل الدستور كما يردد البعض ممن انشغلوا بهذه الدعوات عن تطوير برامجهم الحزبية, وممن عجزوا عن الوصول للشارع السياسي بأفكار جادة, ورؤي طموحة, وليس من المعقول أيضا أن يتم تعديل الدستور حسب أهواء هؤلاء, فإنه إذا تم فتح باب الترشيح لانتخابات الرئاسة دون قيد أو شرط, فإن ذلك معناه أن يقدم مئات بل آلاف, أو مئات الآلاف من الأشخاص غير المؤهلين لتحمل هذه المسئولية, وبالتالي أين المعايير الموضوعية التي يمكن من خلالها اختيار شخص يقود الدولة, وبالتالي فإن المادة76 موضوعية, وتحقق شروطا ديمقراطية, ومعقولة. أما ما يتعلق بالإشراف القضائي علي الانتخابات فهو موجود, وهناك لجان قضائية تشرف علي العملية الانتخابية, أما الإشراف علي الفرز, والتصويت, فقد تحدث خلاله مهاترات نربأ بقضاتنا الأجلاء أن يتعرضوا لها, ونحن في النهاية نجل القضاء ونحترمه, ونقدر أحكامه ويجب ألا نزج برجال القضاء في أمور كهذه.