صور عديدة لعملية قتل بدم بارد استمرت ما يقرب من27 دقيقة كاملة ترسخت في ذهن ووجدان كل من شاهدها لاتزال تهز مشاعر وضمير العالم ووجدانه, لطفل مذعور يصرخ باكيا يحاول الإحتماء بوالده وأب يبذل جهود مستميتة لإقناع مطلقي رصاصات مجنونة بإتجاههم, بكف أيديهم عنهم وإعطائهم فرصة للنجاة بحياتهم, تنتهي بسقوط الأب والصغير جريحين ويعلن إستشهاد الطفل لاحقا ويعالج الأب من إصابات خطيرة, تنتهي بموجة من الغضب والكراهية غير المسبوقة لإسرائيل وإدانات دولية وعربية واسعة ووصمة عار لا تمحي. وبعد ما يقرب من13 عاما منذ إستشهاده يعود محمد الدرة مرة أخري إلي واجهة الأحداث حين قررت دولة الإحتلال وبكل صلف الأيام الماضية إعلان نتائج تحقيق لجنة بدأت في سبتمبر الماضي برئاسة وزير الحرب الحالي, موشيه يعلون, وبمشاركة وزير المالية يوفال شتاينتز تحقيق حول الحادثة مفادها أن تل أبيب وعناصر جيشها لايمكن أن يكونا مسئولين عن إلحاق الضرر بالصبي ووالده, ويظهر شطط التحقيق حين يؤكد أن إسرائيل لديها شكوك قوية تتعلق بمسألة وفاة الدرة من الأساس. ففي يوم مقتل الدرة وبالتحديد يوم السبت30 سبتمبر عام2000 فشل الأب جمال العامل بورشة البناء وبصحبته طفله الصغير في العثور علي سيارة للأسرة, قرر بعدها العودة إلي المنزل في مخيم البريج يقوده حظه العثر ويعلق بموقع لتبادل إطلاق النار بين قوات إسرائيلية و عناصر الأمن الوطني, وبعد أن يدرك الأب خطورة الموقف يقرر التوقف بالسيارة ويأخذ طفله ويحتمي ببرميل أسمنتي ثم تصيب رصاصة ساق الصغير ويصرخ من الألم, وتصيب أخري ذراع الأب ثم تصيب ثانية بطن محمد ويستشهد بعدها بجوار والده الذي تصيبه زخة من الرصاصات وينهار ويستيقظ في مستشفي غزة ومنها للعلاج في الأردن. ومنذ نشر الصور المروعة وإذاعة تقرير قناة فرانس2 وتل أبيب تدرك أنها لم تخسر فقط صورتها المزعومة كدولة ديمقراطية تحترم حقوق الأنسان وإنما أيضا أصبح تسويقها لفكرة كونها الدولة المجني عليها أمرا بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلا, بل علي العكس زاد الوعي العالمي بأهمية وعدالة القضية الفلسطينية, ولذا أصبح لزاما عليها الإستماتة للدفع بعدم مسئوليتها عن الحادثة, غير أن التقرير أحيا في الأذهان مرة أخري الحادثة وتحول لسلاح ذي حدين خاصة بعد إعتذار تل أبيب عن الحادثة في وقتها ثم تلوم الناشطين الفلسطينيين عنها بعد ذلك, مما دفع الناس للتساؤل حول أسباب قتل الدرة وغيره من الأطفال وبالتالي رفض فرضية إرهابيو المستقبل التي طالما روجت لها إسرائيل وماذا كانت لتخسر إذا توقف إطلاق الرصاص ليهرب أبطال الحادثة, وأسئلة أخري حول جدوي تشكيل لجنة تحقيق غير محايدة. والحقيقة أنه علي الرغم من أن قضية إغتيال محمد الدرة قضية أخلاقية بالدرجة الأولي, فلا ينبغي علينا أن ننسي أن الحادثة حظيت بإهتمام الرأي العام عبر توثيقها من قبل الشاهد والمصور طلال أبو رحمة لصالح قناة فرانس2 وأن غيره مئات بل الآلاف من الأطفال وقعوا ضحايا لقوات الإحتلال وتم إغتيال أحلامهم وبرائتهم وحتي إنهاء حياتهم ولم يلتفت إليهم أحد بدءا من مجازر دير ياسين وقانا مرورا بعمليات الرصاص المصبوب وعامود السحاب التي أكدت منظمة العفو الدولية أن دولة الإحتلال إرتكبت خلالها جرائم ضد الإنسانية, حيث أوضحت منظمة بيتسليم الإسرائيلية أن951 طفلا فلسطينيا قضوا في الفترة مابين عامي2000و2008 في الضفة وغزة. وبعد التقرير المزعوم الذي يهدف في الأساس إلي تحسين صورة إسرائيل, ينبغي أن يدرك الفلسطينيون أهمية توحيد وحشد الجهود لفضح جرائم جيش الإحتلال لمحو صورة الفلسطيني الأرهابي الذي لطالما قدمته الأطراف المعنية للعالم.