إنه التاريخ والحضارة والنهضة والأصالة.. هو التوافق والتعايش والتواصل والحداثة.. إنها ثنائية البحر والجبل التي جعلت الهدوء والصراحة سمة عمانية مميزة.. هنا وزير التراث والثقافة في سلطنة عمان هيثم بن طارق آل سعيد يتحدث عن التنمية ويؤكد تناغم المنظومة الثقافية مع متطلبات الحاضر, وآمال المستقبل ويفتخر بوضع المرأة في بلاده التي وصلت إلي أعلي المناصب فالرجل الذي يوجه المنظومة يعمل جاهدا للمحافظة علي الموروث الثقافي والتراث ويسعي إلي ترجمة الأحلام إلي واقع عملي ملموس. سألته عن المشهد الثقافي في بلاده؟ أجاب: المشهد الثقافي منبثق من الرؤية الواعية للسلطان قابوس بن سعيد والمرتكزة علي الارتباط العضوي الوثيق بين القيادة والمواطن والتي جعلت من الإنسان العماني هدف التنمية وصانعها وقطب الرحي لكل برامجها وخططها علي أمتداد السنوات الماضية, إنها نقلة نوعية في كل المحافظات والمناطق والولايات فكان مجال الثقافة جزءا منها في هذا التطور وهذه النهضة وقد امتدت الاجتماعات الثقافية للسلطان قابوس إلي العديد من المجالات بما في ذلك الأدب والفن والموسيقي والتراث وإلي جانب الحرص علي توسيع وتعميق الحوار بين الثقافات والحضارات وهو ما تم من خلال دعم العديد من الجامعات العربية والأجنبية وانشاء مراسي علمية في عدد من أبرز الجامعات العالمية. * دعنا نتحدث عن دور وزارة الثقافة في المحافظة علي التراث ولديكم مواقع أثرية كثيرة... كيف يمكن أن تسير التنمية الثقافية جنبا إلي جنب مع تنمية التراث والمحافظة عليه؟ ** النظام الأساسي للدولة ينص علي أن ترعي الدولة التراث الوطني وتحافظ عليه, عمان هي كنز للفنون التراثية والتقليدية والشعبية ومن خلال الفنون المختلفة يعبر الإنسان العماني عن ذاته وموروثاته وانماط حياة الآباء والأجداد وتمثل القلاع والحصون العمانية البالغة أكثر من خمسمائة قلعة وحصن ومبني أثري منتشرة في مختلف مناطق وولايات السلطنة, براعة فن هندسة البناء العمانية وتفاعلها التام مع احتياجات الإنسان العماني الاجتماعية والدفاعية وخبرته بالفنون المعمارية منذ مراحل تاريخية مبكرة نعم نحن نسير في خطين متوازيين ومتكاملين من منطلق الجمع بين الأصالة والمعاصرة والحفاظ علي الموروث الفكري. لكن البعض يري ان جانب الحداثة يبدو كأنه يطغي علي جانب الأصالة والتاريخ مشيرين لاهتمامكم بإقامة دار للأوبرا.. هل تعتبر خصما من نشاطكم في حفظ وتوثيق المخطوطات والتراث التاريخي؟ دار الفنون الموسيقية تعد من المشاريع الثقافية المهمة علي الساحة المحلية والعربية وهي أحد المعالم الفنية البارزة في مجال الموسيقي والمسرح,إنها مشروع فريد في تصميمه وأدائه وينبع من النظرة الثقافية والاهتمام السامي بثقافة الفنون المسرحية والموسيقية, أنه أصبح معلما بارزا ونقطة مهمة للجذب السياحي, هذا المشروع ينطوي علي أعلي المقاييس العالمية وأحدث ما توصلت اليه التقنية في العالم وعلي الجانب الآخر فقد قطعت وزارة التراث والثقافة شوطا كبيرا فيما يتعلق بحفظ وتوثيق المخطوطات حيث شملت مجموعة واسعة في شتي فروع العلم وفنون المعرفة تتضمن مخطوطات في علوم الفلك والطب وعلوم البحار والآدب والفقه واللغة العربية والشريعة والتاريخ وغيرها من العلوم. وماذا عن اهتمامكم باقامة المتاحف؟ لدينا أيضا المتاحف التي تحوي كنوز الماضي وهي المكان الآمن الذي يحفظ التراث الابداعي الإنساني ومنها متحف التراث العماني الذي يجسد نماذج من التاريخ العماني القديم ويعطي الزائر نبذة عن عمان بمختلف مناطقها ومتحف التاريخ الطبيعي الذي يعرض بعض كنوز الطبيعة التي تزخر بها السلطنة من كائنات برية وبحرية ومعالم طبيعية متنوعة والمتحف العماني الفرنسي الذي يحوي بعض الوثائق التاريخية من السلطنة وفرنسا وكذلك متحف القوات المسلحة ومتحف الطفل الذي يعد مؤسسة ثقافية لتنشيط العلوم والتكنولوجيا ويعد متحف بيت البرندة إضافة حقيقية إلي معالم مدينة مسقط التاريخية الحضارية, لدينا مشروع المتحف الوطني أيضا المصمم وفق أحدث الأساليب المتحفية العالمية وبنية أساسية متكاملة تواكب المتاحف الدولية المتطورة وتعكس الرؤية المستقبلية ويمثل ذاكرة الأمة والموروث التراثي والحضاري والتاريخي العماني الذي يمتد لآلاف السنين. * منذ عدة سنوات تم اختيار مسقط عاصمة للثقافة العربية وبعدها تم اختيارها أيضا عاصمة للسياحة العربية تسعي بلادكم إلي ان تكون محطة سياحية مهمة في المنطقة ومركزا لتعبئة المعلومات والمشاريع الرقمية.. كيف يمكن للثقافة دعم هذه الأفكار؟ لقد جاء اختيار مسقط عاصمة للثقافة العربية عام2006تتويجا لجهد ثقافي كبير بذلته وتبذله المؤسسات الثقافية وأيضا كانت مسقط عاصمة مميزة للسياحة العربية, لدينا مجمع تقنية المعلومات الذي يعطي نتائج ايجابية في جذب الاستثمارات لتأسيس الصناعات المعرفية وتطوير القدرات التقنية وقد توج هذا الاحترام بإنشاء هيئة تقنية المعلومات وهي الجهة المسئولة عن تنفيذ استراتيجية مجتمع عمان الرقمي وتوفير الخدمات الحكومية الالكترونية للمواطنين, كذلك فإن قطاع السياحة واحد من القطاعات الاقتصادية التي تهدف إلي إحداث تحولات جذرية علي مدي سنوات النهضة الحديثة, هناك مهرجانات سياحية ضخمة ممزوجة بأفكار ثقافية تبرز الأصالة والحداثة التي تميز البلاد. الحديث عن الأفكار الثقافية الممزوجة بالأصالة يجعلنا نستعيد أهمية دور بلادكم في الماضي كجسر للتمازج والحوار بين الأمم.. كيف يمكن إحياء هذا الدور مجددا؟ دعنا نؤكد ان التسامح هو ميزة للشخصية العمانية التي لا تعرف التعصب ولا التطرف أو المغالاة وهو ما أكده النظام الأساسي للدولة وفي حين شكل البحر نافذة عمانية للتواصل والتفاعل مع الشعوب الأخري تجاريا وحضاريا واجتماعيا وثقافيا ومازالت اثاره الطيبة باقية حتي اليوم, لقد ساهمت السلطنة في اثراء التواصل الحضاري بين الأمم من خلال تجارة اللبان في العصور القديمة, واليوم يدعو السلطان قابوس علي الدوام إلي الاقبال والتفاعل مع الشعوب الأخري دون تهيب أو خشية لأخد أفضل ما لديهم والاستفادة بها, ونظرا لأن العالم أصبح الآن متغيرا بسرعة هائلة جدا وهو ما يتطلب ضرورة مواكبته كتيار اسلامي متجدد ومتطور قائم علي اجتهاد عصري مستنير ملتزم بمبادئ الدين والعقيدة السمحة دون تفريط في عراقة الموروث واصالته.