تمر العلاقات المصرية الأثيوبية بمرحلة دقيقة للغاية بسبب إصرار أديس أبابا علي تهديد المتطلبات الأساسية للأمن المائي في دولتي مصب نهر النيل مصر والسودان ذلك أن الإعلان عن بدء الخطوات التنفيذية لبناء سد النهضة بتحويل مجري النيل الأزرق في مناسبة قومية أثيوبية, دون صدور تقرير اللجنة الفنية المنوط بها البت في مدي تضرر الشعبين المصري والسوداني من هذا السد وغيره من سدود أخري معلنة منذ عام2005 وتستهدف تخزين200 مليار متر مكعب من المياه يعد سياسة عدائية بإمتياز, تراهن فيما يبدو علي حالة الإرتباك السياسي الداخلي في كل من مصر والسودان. في هذا السياق يبدو الموقف المصري الرسمي من هذه الخطوة باهتا وضعيفا, ومعولا علي تقرير اللجنة الفنية كآلية وحيدة للتعامل مع هذا التهديد الجدي للأمن القومي المصري, وربما يكون ذلك حفاظا علي دفء العلاقات الدبلوماسية مع أثيوبيا في وقت يتطلب فيه الأمر إعلان غضب مصري علي الأقل والسعي لإمتلاك مخطط شامل للتعامل مع التوجهات الإثيوبية سواء فيما يخص السدود أو إتفاقية عنتيبي. وتملك كل من مصر والسودان أوراق ضغط تجعل أديس أبابا تعيد حساباتها وأولوياتها إنطلاقا من الحفاظ علي الأمن الإفريقي الشامل في شرق أفريقيا بديلا عن منظور ضيق لابد وأن ينعكس بالضرر علي الشعب الأثيوبي نفسه, وحكومته في المدي المتوسط والبعيد, وأول الخيارات المطروحة مصريا الإستناد الي القانون الدولي فيما يتعلق بمحددات التعامل بين الدول المتشاطئة علي الأنهار الدولية المشتركة, والثاني فتح حوار مصري مع كل من الصين والسعودية دولتي التأثير والنفوذ بإثيوبيا في الوقت الراهن لممارسة دور للحفاظ علي الأمن المائي والانساني في شرق إفريقيا وهو أمر يمس مصالح الدولتين بشكل مباشر, وثالثا التفاوض مع إثيوبيا لبناء سد لاتزيد طاقته التخزينية علي20 مليار متر مكعب من المياه, يتم تخزينه علي خمس سنوات, وهو يحقق لأثيوبيا في هذه الحالة حاجاتها من الطاقة الكهربائية ولايهدد مدينة الخرطوم بالغرق وربما السد العالي أيضا في حال ضغط حجم تخزين كبير من المياه(74 مليار) علي جسم السد وإنهياره خصوصا أنه بناء أسمنتي منشأ علي حافة الهضبة الإثيوبية في إتجاه السودان, أيضا تسارع أو تباطؤ إنسياب السلع لإثيوبيا أمر تملكه مصر عبر قناة السويس وورقة ضغط في يد السودان حيث تستخدم إثيوبيا ميناء بور سودان, كما يعيش في السودان حوالي3 ملايين إثيوبي هم ورقة ضغط يمكن للخرطوم إستخدامها. ممارسة الضغوط المصرية السودانية المشتركة لابد أن يستهدف الإعتراف الإثيوبي بإتفاقية1959 والإعتراف بالحصص التاريخية للدولتين من المياه وذلك بالتوازي مع تفعيل الإتفاقيات الخاصة بشق قناة في منطقتي البر أكوبو, ومستنقعات مشار لزيادة المياه الواصلة للنيل بحيث تزيد بنسبة4 مليارات متر مكعب لمصر والسودان, وأيضا فتح مفاوضات جادة مع دولة جنوب السودان فيما يتعلق بمشروع قناة جونجلي في بحر الغزال الذي يزيد موارد نهر النيل أيضا والعمل علي تنفيذ هذا المشروع في أسرع وقت ممكن علي أن تتحمل مصر كافة الآثار السلبية المرتبطة بالتأثير علي البيئة المحلية في هذه المنطقة وخصوصا وأنها قد أعلنت مؤخرا كمحمية بيئية عالميا. إن إثيوبيا ترتكب أخطاء إستراتيجية كبري إزاء كل من مصروالسودان بل مجمل دول حوض النيل بخلقها بيئة صراع لامبرر لها علي الإطلاق وذلك بسياسات من المراوغة وإهمال مصالح شعوب دول حوض النيل وحقها في الإستقرار والأمن المائي. فضلا عن المراهنة علي أزمات نظم الحكم الداخلية في دول حوض النيل وهي في ذلك تهمل معطي أساسيا وهو أن الأمن القومي المصري شأن يخص الدولة المصرية والشعب المصري علي طول تاريخ هذه الدولة وليس فقط نظم الحكم التي من طابعها الزوال ويؤثر فيها مباشرة مدي صيانتها لحق شعبها في نهر النيل, وقدرتها علي تنمية حصته من المياه فيه فهذا النهر بمثابة الحياة ذاتها لمصر والمصريين..