التصريحات الإيرانية ضد البحرين لا تتوقف علي مختلف مستويات المسئولين في طهران.. وتدفع بالعلاقات الإيرانية مع دول الخليج نحو المزيد من التأزيم وتزيد' أتون' عدم الاستقرار في المنطقة اشتعالا, وكأنما إيران, وفق ما تراه مصادر دبلوماسية عربية وخليجية, قد نصبت نفسها في موقع المسئولية عن بعض دول المنطقة, وتحاول فرض وصاية من طرف واحد علي هذه الدولة أو تلك, ولا يكفيها ما يحدث في العراق وسوريا وترغب في استنساخ النموذجين داخل حوض الخليج. ورغم أن البحرين تتحدث دائما عن التدخلات الايرانية والهجمات الاعلامية التي تشنها وسائل اعلامية تابعة لإيران ضدها لكنها تحجم عن الاعلان عن الأدلة ربما لاعتبارات عديدة, فقد كان لافتا أن وفدا برلمانيا أوروبيا زار المنامة مؤخرا, أعلن أن بريطانيا باتت تمتلك أدلة علي أن إيران تصدر الإرهاب إلي البحرين, وأكدوا أن بعض القوي الخارجية تؤجج العنف في البحرين. وتجسد أحدث التهديدات الايرانية التي أطلقها مساعد وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان في الأيام الأخيرة, وتوعد فيها البحرين برد لا تتوقعه إذا لم تعتذر عن اقتحام منزل رجل الدين الشيعي المعارض عيسي قاسم الذي تتهمه السلطات البحرينية بالتحريض علي أعمال العنف والتخريب, نموذجا للنهج الايراني والتصعيد المتكرر ضد البحرين. وقبل ذلك جاءت تصريحات المرشد الأعلي للثورة في إيران علي خامنئي أمام مؤتمر علماء الدين والصحوة الإسلامية الذي عقد في طهران لتصب مزيدا من الزيت علي النار, عندما قال إن في البحرين أكثرية مظلومة محرومة لسنوات طويلة من حق التصويت وسائر الحقوق الأساسية للشعب, قد نهضت للمطالبة بحقها'. وقد دفعت هذه التصريحات بالكثيرين إلي الحديث عن محاولات ايران التي لا تتوقف عن فرض وصايتها علي الشيعة العرب في الخليج, والذين يؤكدون دوما أن ولاءهم هو لأوطانهم وليس لإيران, وأنهم يختلفون عن أتباع ولاية الفقيه, ويرفضون محاولات طهران الزج بهم أو الربط بينهم وبين السياسات الإيرانية في المنطقة. وقد لقيت هذه التصريحات رفضا واسعا في البحرين سواء من الجانب الرسمي أو الشعبي, واستنكر رئيس وزراء البحرين الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة, خلال لقاء جمعه في المنامة مع الكتاب والصحفيين والمراسلين الأجانب, المحاولات المتكررة للتدخل في الشئون الداخلية لبلاده, وأكد أن محاولات المساس بسيادة البحرين واستقلالها لن تنقطع إلا أن شعب البحرين كان وسيظل سدا منيعا في وجه هذه التدخلات. ومن جانبه طالب وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة المسئولين الايرانيين بأن يلزموا الصمت لان البحرين تحترم شعبها ولا تضع رجال الدين قيد الإقامة الجبرية وتحرمهم من التعبير كما هو الحال في ايران, وقال: ليس لدينا من تحميه أي خطوط حمراء مصطنعة من تطبيق القانون عليه وعلي غيره, والقانون علي الجميع واستهداف الأمن هو الخط الأحمر'. وقد أكدت البحرين في بيان رسمي أن كبار المسئولين الايرانيين يتحدثون عن البحرين بأكثر مما يتحدثون عن بلادهم وسياستها ومصالحها وأوضاع شعبها الاقتصادية والاجتماعية المتردية, وقالت أن تماديهم غير المسئول بإطلاق مثل هذه التهديدات والتحذيرات علي مدار الساعة اصبح ركنا اساسيا من الاستراتيجية الاعلامية الايرانية الممنهجة ضد البحرين, وأن علي ايران ان تدرك بأن البحرين لا تعطي هذه التهديدات أي اعتبار. الرد الخليجي علي التصريحات الايرانية ضد البحرين جاء قويا بدوره, حيث أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي د. عبداللطيف الزياني أن تصريحات مساعد وزير الخارجية الايراني تدخل مرفوض ومشين وأنها تتضمن تهديدات سافرة وخطيرة وسلوك غير معهود في العلاقات الدولية, يتنافي مع كافة القوانين والمبادئ الدولية. ودعا المسئولين الإيرانيين إلي الكف عن سياسة التحريض السياسي والديني والإعلامي وزعزعة استقرار المنطقة, وهذا النهج الذي لا يخدم علاقات إيران بدول مجلس التعاون. وقد لخص وزير الخارجية بدولة الامارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان مشكلة ايران في علاقاتها مع جيرانها في منطقة الخليج بتأكيده علي أن هناك إشكالية حقيقة لدي الايرانيين في الفهم والتعرف علي طبيعة التعامل مع جيرانهم. وقال:' أفهم أن ايران تمر بانتخابات محلية إلا أنها ما زالت تواصل تحويل وقذف مشاكلها الداخلية علي الدول الأخري, وهذا التصرف لا يقوم به جار حميد من المفترض أن يكون جارا طبيعيا يلتزم بالشريعة الاسلامية ووصايا الرسول صلي الله عليه وسلم. ورغم التأكيدات البحرينية علي أن الأوضاع الداخلية هي أمر يعني البحرينيين أنفسهم, وأنهم وحدهم القادرون علي حل مشاكلهم بأنفسهم دون تدخل خارجي, فإن التصريحات الايرانية المتواصلة تعيد التأكيد أن طهران لا ترغب في الابتعاد عن الداخل البحريني, وهو أمر قد لا يقتصر علي إيران وحدها فالاتهامات تطال أيضا السفير الأمريكي في المنامة, الذي تتهمه الأوساط البحرينية بمحاولة التدخل في الشئون الداخلية علي خلفية أدواره السابقة في العراق. وكما تؤكد مصادر بحرينية فإن حوار التوافق الوطني للخروج من الأزمة في البحرين, سيتواصل رغم عدم التوصل إلي نتائج حتي الآن, وأن نجاح هذا الحوار يحتاج في المقام الأول لأجواء تمهد الطريق إلي توافق حقيقي بين مختلف الأطراف في الساحة البحرينية, بعيدا عن أي تدخلات من أطراف أخري. لكن يبقي السؤال: هل تبتعد الأطراف الأخري.. أم أنها تري أن ما يحدث في البحرين يخدم سياساتها وأهدافها.. وأن تحقيق هذه الأهداف يتطلب إبقاء الجمر متقدا تحت الرماد ؟!!.