لا يكاد يمر علينا يوم إلا ونسمع أو نشاهد اعتصاما أو مظاهرة من مجموعة أفراد رافضة لقرارات او مطالبة بحقوق لم تأت بعد .. عايشنا في الأسبوع الماضي الكثير من الوقفات الاحتجاجية ضد النظام أو ضد الوزراء في مواقعهم، ومن كثرة فئات المجتمع التي تعترض وتشجب السياسات المتبعة في مجالات عدة، نتساءل لماذا يصر النظام على العداء بينه وبين فئات كثيرة من الشعب كالفلاحين والعمال والقضاة والطلبة وغيرهم ؟ بل كيف يستمر نظام ونسبة كبيرة من الشعب تعارضه بشكل واضح ؟ وإذا كان هذا هو الحال في الداخل فكيف سيستمد مصداقيته واعتراف الدول الأخرى به على المستوى الخارجي ؟ سؤال لا نجد له إجابة اللهم إلا استمرار النظام بتصميم فج على السير عكس الإتجاه .. ومن الواضح أنه لا يدرك نهاية هذا الطريق وإلا فلم الاستمرار فيه إذا كان من أولي الألباب ؟
كان المثقفون من بين من ثاروا وتمردوا الأسبوع الماضي وتوحدوا على قلب رجل واحد ضد سياسات النظام التي لا تهدف أبدا إلى القضاء على فساد طال الثقافة كما طال الوزارات كلها على مدى عدة عقود وإنما تهدف من وجهة نظرهم إلى تجريف الثقافة المصرية والقضاء عليها .. لقد دعى المثقفون إلى وقفة احتجاجية أمام نقابة الصحفيين، إنضم لهم فيها جموع من الشعب المصري، أفراد عاديون استفزهم ما آلت إليه وزارة الثقافة التي كان على عرشها عظماء أمثال ثروت عكاشة ويوسف السباعي ومنصور حسن رحمهم الله جميعا .. بعد الوقفة عقد المثقفون مؤتمرا يعد الأول من نوعه يجمع الكثير من الكتاب والصحفيين والشعراء والفنانين والتكتلات الثقافية والفنية تحت عنوان " دفاعا عن هويتنا الوطنية " وذلك بعد قرارات تخفيض موازنة الثقافة إلى النصف وعدم فتح الكثير من قصور الثقافة في المحافظات وتغيير القيادات بأخرى لا يعرف المثقفون عنها شيئا وليس لديها أي مشروع للإرتقاء بالأنشطة الثقافية المختلفة على مستوى الجمهورية، ناهيك عن تقليل قيمة جوائز الدولة إلغائها وإلغاء مهرجانات ثقافية ..
تحدث الكثير من المثقفين على رأسهم الأديب الكبير بهاء طاهر الذي أشار إلى أنه على مدى تاريخ الوزارة منذ نهاية الخمسينيات، لم يتفق جموع المثقفين على وزير واحد، وكانوا يختلفون مع قامات كبيرة فى قضايا موضوعية، ولكن لم تحدث أبدا بهذا الشكل، أن يأتى شخص من غياهب المجهول، ليصبح المسئول عن الأوبرا والمسرح والكتاب، كما أكد أن مثل هذه الهجمة على الثقافة حدثت بداية السبعينيات عندما تم الدفع بكتاب لكي يسبوا المثقفين والمبدعين، وكانت هناك مجلة تصدر أعدادا كاملة للإساءة للأديب العالمى نجيب محفوظ ولتوفيق الحكيم، ومضت الأيام ولا أحد يذكر هذه المجلة، ويظل محفوظ وتوفيق الحكيم ملء السمع والبصر.. كانت كلمات بهاء طاهر قوية وتفاعل معها جميع من حضروا المؤتمر عندما قال : " إن كل من يسعى لإسقاط الثقافة المصرية سيذهب لمزبلة التاريخ، وستظل الثقافة المصرية مرفوعة الرأس، وسيظل المبدعون هم قادة الحياة الفكرية الحقيقيون .. سننتصر كما انتصرنا من قبل .. وياما دقت على الرأس طبول ! ".
لقد أنهى المثقفون مؤتمرهم الأول وقد صمموا على عدم ترك حقوقهم في كل الأجهزة التابعة لوزارة الثقافة مهما يحدث، مؤكدين أنهم بصدد تشكيل جبهة موحدة للدفاع عن الثقافة والفنون تجمع كل التكتلات التي تمثل مختلف الفنون وأشكال الأدب والثقافة في مصر، كما شددوا على النزول إلى الشوارع في كل المحافظات لإقامة فعاليات ثقافية مع المواطنين لأن الثقافة هي خط الدفاع الأول عن الأمة، وأن أي اعتداء على الثقافة أو تجاهلها يعتبر اعتداء على الشعب المصري .. الأيام المقبلة ستشهد الكثير من الفعاليات الثقافية ضد " قوى الظلام التي تريد أن تجر مصر إلي الظلام الذي كانت تعيش فيه " .. ويظل السؤال ماذا بعد استعداء كل فئات المجتمع ؟ يقول الإمام علي كرم الله وجهه : " اذا رأيت الظالم مستمرا فى ظلمه، فاعلم أن نهايتة محتومة، واذا رأيت المظلوم مستمرا فى مقاومته، فاعلم أن انتصاره محتوم " .. اللهم افرغ علينا صبرا وهون علينا الأيام القادمة.