السجن المشدد 6 سنوات لعامل بتهمة الإتجار فى المخدرات بقنا    "نجوم الساحل" يعلنون بداية فصل الصيف بطريقتهم الخاصة مع منى الشاذلي غدًا    وزير الصحة والسكان يناقش مشروع موازنة قطاع الصحة للعام المالي 2026/2025    الأسباب والأعراض    رئيس جامعة القاهرة يفتتح المؤتمر الدولي لكلية الصيدلة    السفير السويدي بالقاهرة: ننظر إلى السوق المصري باعتباره وجهة واعدة للاستثمار    7 مايو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة اليوم في سوق العبور للجملة    العمل: بدء التقديم في منح مجانية للتدريب على 28 مهنة بشهادات دولية في معهد الساليزيان الإيطالي    7 مايو 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    خلال أيام.. صرف مرتبات شهر مايو 2025 للموظفين وفقًا لبيان وزارة المالية    قانون الإيجار القديم أمام البرلمان.. الحكم الدستوري لا يحرر العلاقة بل ينظمها بعد عقود من الظلم    وزارة التنمية تبحث الإستفادة من المنتجات غير المصرفية بالتعاون مع الرقابة المالية    عاجل - استقبال رسمي للرئيس السيسي بالقصر الرئاسى اليونانى    استشهاد 22 فلسطينيا فى قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة    مصر تتابع بقلق بالغ تطورات الأوضاع جنوب آسيا وتدعو الهند وباكستان للتهدئة    موعد مباراة باريس سان جيرمان وآرسنال بدوري أبطال أوروبا    «ليه نستنى نتائج الأهلي؟».. طارق يحيى ينتقد تأخر صدور قرارات لجنة التظلمات حول أزمة القمة    دي يونج: وداع دوري الأبطال محبط وعلينا التركيز على لقب الدوري    البابا تواضروس خلال محاضرة بالقصر الرئاسي بصربيا: «دعونا نبني جسورًا لا أسوارًا»    إصابة شاب إثر انقلاب ملاكي داخل ترعة بقنا    ضبط شخص يفرض رسوم على السائقين فى مدينة السلام    تحرير 507 مخالفات لعدم ارتداء خوذة وسحب 934 رخصة قيادة خلال 24 ساعة    محافظ أسيوط: ضبط مشروبات غازية غير صالحة وتحرير 382 محضر خلال حملات تموينية    تعرف على مدة الدراسة فى الترم الأول بالعام الدراسى الجديد 2026    صندوق مكافحة وعلاج الإدمان يعلن عن 70 وظيفة شاغرة    حظك اليوم.. مواليد هذه الأبراج «شباب دائم» لا تظهر عليهم الشيخوخة هل أنت من بينهم؟    فتح باب التقديم لمشاريع "ملتقى القاهرة السينمائي".. تعرف على قائمة الشروط    كندة علوش: تكشف «رد فعلها في حال تعرضها لموقف خيانة في الواقع»    الطيب صالح و«بيضة الديك»!    امتنعت عن المخدرات وتوبت توبة نصوحة.. وائل غنيم: أعتذر لكل من أخطأت في حقهم    صيدلة بني سويف الأهلية تنظم يومًا علميًا يجسد مهارات التواصل وتكامل التخصصات    رابط الاستعلام عن موعد امتحان المتقدمين لوظيفة حرفي رصف وسائق بالهيئة العامة للطرق والكباري    أسامة ربيع: توفير الإمكانيات لتجهيز مقرات «الرعاية الصحية» بمواقع قناة السويس    استولى على 13 مليون جنيه.. حبس رجل أعمال 3 سنوات بتهمة الاحتيال على لاعب الأهلي "أفشة"    سفير مصر ووزيرة الثقافة الفرنسية يشاركان باحتفالية إصدار كتاب حول مسلة الأقصر    بيدري منتقدا الحكم بعد توديع الأبطال: ليست المرة الأولى!    ما حكم إخراج المزكى زكاته على مَن ينفق عليهم؟.. دار الإفتاء تجيب    الأزهر يصدر دليلًا إرشاديًا حول الأضحية.. 16 معلومة شرعية لا غنى عنها في عيد الأضحى    مصيرهم مش بإيديهم| موقف منتخب مصر للشباب من التأهل لربع نهائي أمم أفريقيا    طائرات مسيرة تُهاجم أكبر قاعدة بحرية في السودان.. ما القصة؟    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    طريقة عمل الفطير المشلتت الفلاحي على أصوله    بعد حفل زفافها.. روجينا توجه رسالة ل «رنا رئيس»| شاهد    كندة علوش تكشف علاقتها بالمطبخ وسر دخولها التمثيل صدفة    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأربعاء 7 مايو 2025 م    استشهاد عدنان حرب قائد الدعم اللوجستي في وحدة بدر بحزب الله    إحالة عاطلين للمحاكمة الجنائية لسرقتهما 6 منازل بمدينة بدر    أمير مرتضى منصور: «اللي عمله الأهلي مع عبدالله السعيد افترى وتدليس»    ترامب: لا يمكن لإيران أن تمتلك أسلحة نووية ولن يبقى أمامنا خيار إذا سارت في طريق آخر    موعد مباريات اليوم الأربعاء 7 مايو 2025.. إنفوجراف    موعد إجازة مولد النبوي الشريف 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    الذكرى ال 80 ليوم النصر في ندوة لمركز الحوار.. صور    «تحديد المصير».. مواجهات نارية للباحثين عن النجاة في دوري المحترفين    الهند: هجومنا على باكستان أظهر انضباطًا كبيرًا في اختيار الأهداف وطريقة التنفيذ    من هو الدكتور ممدوح الدماطي المشرف على متحف قصر الزعفران؟    أطباء مستشفى دسوق العام يجرون جراحة ناجحة لإنقاذ حداد من سيخ حديدي    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بصدق
ميراث الإهمال..!

بالتأكيد لم يتم حتي الآن الكشف عن تفاصيل مجريات الإفراج عن الجنود السبعة الذين اختطفوا في شمال سيناء علي مدي ستة أيام بأيدي إرهابيين وبلطجية, وبالتأكيد لن يتم الكشف عنها الآن, إلا أن ما أتوق إلي معرفته هو تكلفة هذه العملية من حيث تحريك قوات عسكرية بهذا الحجم, وقوات أمن بهذا الانتشار,
وتأثر قطاع السياحة في ربوع مصر ككل, وتوقف حركة العمل والإنتاج هناك في سيناء, أضف إلي ذلك الحالة النفسية التي عاشتها الأمة المصرية طوال هذه الفترة, وسمعتها دوليا, وما سوف يترتب علي ذلك في ترتيبها بالمؤشرات المختلفة: الأمنية والاقتصادية والسياحية.
وبالوقوف علي هذه التفاصيل; يمكن أن نعرف حجم الضرر الذي يمكن أن يلحق بمصر وشعبها علي أيدي حفنة من البلطجية وتجار المخدرات والسلاح, بل العملاء في بعض الأحيان, وبالوقوف علي التفاصيل أيضا, يمكن أن نعي مخاطر ذلك الميراث من الإهمال لبقعة كان يمكن أن تكون سلة غذاء الدولة المصرية, بل رصيدها الاستراتيجي الذي لا ينضب من المواد الخام: التعدينية والنفطية.
وأيا كان ثمن صفقة الإفراج عن الجنود, فإن الأزمة برمتها قد وضعتنا أمام مسئولية كبيرة, ليس أمامنا سوي أن نتحملها بكل أمانة ودون تردد, وهي تلك المتعلقة بتنمية سيناء من جهة, ومحاربة الإرهاب والخروج علي القانون من جهة أخري, وذلك لأن أي عاقل لا يمكن أن يقبل بهذا الوضع المتردي في سيناء علي كل المستويات, كما أن أي مواطن لن يقبل باغتيال جنود آمنين لم يتم الكشف عن قاتليهم حتي الآن, أو اختطاف آخرين مسالمين لم يتم القبض علي خاطفيهم, مما يجعل من سيناء وجماعات الإرهاب هناك لغزا لابد من تفسيره بشفافية ووضوح.
وللحق.. فقد كنت أتمني أن أسمع خبر اعتقال الجناة مختطفي الجنود, أو سحقهم تحت عجلات مجنزرات الجيش, واجتثاث من يدعمهم ويقف خلفهم, وهم أيضا معلومون للأجهزة الأمنية لدينا, إلا أننا لا نريد أن نفسد فرحة الشعب بعد كابوس الأيام الستة التي عاشها مع هذه الأزمة, ولكن من حقنا أن نظل نتعلق بهذا الأمل, خاصة بعد أن أعلن الرئيس محمد مرسي أن عمليات انتشار الجيش لن تنتهي قبل تحقيق الأمن والاستقرار.
لقد أدركت القوات المسلحة, منذ اللحظة الأولي, أنها ربما تكون المستهدفة من مثل هذه العمليات, وذلك بجرها إلي أتون مستنقعات المواجهة مع مدنيين, بعد أن تحلت برباط الجأش علي مدي أكثر من عامين مضيا, دون أن تنزلق إلي مثل هذه الأعمال, إلا أنها الآن, وبوجودها في بؤرة الحدث وبعيدا عن الضغط الشعبي والنفسي, يمكن أن تحقق الأمن والاستقرار هناك بتكلفة أقل, وخاصة إذا حصلت علي تصريح واضح من القيادة السياسية بذلك, وهو ما نأمله.
وإذا كان هناك من يراهن علي أن الأقاليم المصرية, بصفة عامة, بمنأي عن الإرهاب في سيناء, أو عن تكدس السلاح بأيدي متطرفين هناك; فهو رهان خاطئ, وإذا كان هناك من يعتقد أن أيديولوجية بعض الإرهابيين في سيناء هي أقرب إلي الأيديولوجيات الموجودة بصفة رسمية علي الساحة السياسية, وهذا هو سر تماديها; فهو اعتقاد يجب دحضه, وإذا كان هناك من يتصور أن هؤلاء هم بمثابة رصيد استراتيجي لأولئك; فهو أيضا تصور مبالغ فيه, وذلك لأن هذه الجماعات التي تعمل في سيناء تحت أي مسميات قد تم اختراقها مبكرا لحساب أجهزة مخابراتية أجنبية متعددة من المنطقة وخارجها, وليس أدل علي ذلك من حجم الأموال بالعملة الصعبة التي يتم إنفاقها علي شراء السلاح هناك, وعلي العمليات الإرهابية التي يتم تنفيذها, وعلي تجارة المخدرات التي لا يمكن أن تكون بهذا الحجم إلا من خلال تعاون أجهزة دولية.. ومن هنا فإن مصر الدولة هي المستهدفة وليست سيناء فقط, وجيش مصر هو المستهدف وليس بضعة جنود, وهيبة مصر هي الهدف وليس أفرادا بأعينهم, مما يجعلنا أمام قضية خطيرة ومتشعبة وليست مجرد مجموعة من المجرمين أو البلطجية, أو حتي الإرهابيين.
وبالتأكيد..
سوف نقدر حرص رئيس الدولة علي عدم إراقة دماء علي أرض سيناء, إلا أن أحدا لا يضمن عدم تكرار هذه الأعمال الإرهابية مرة أخري, وهو ما يستوجب وقفة حاسمة أيا كانت تكلفتها, وبالتأكيد سوف نقدر حرص قواتنا المسلحة علي عدم الانجرار إلي مواقف تفرض عليها, إلا أن أحدا لا يقبل استمرار الجناة في عملية اختطاف الجنود مطلقي السراح دون عقاب, وليس سرا أن حوادث اختطاف في صفوف الشرطة حدثت قبل ذلك ولم يتم الإعلان عنها, كما ليس سرا أن قوي الأمن المختلفة يتم استهدافها هناك بصفة شبه يومية ولم تتم مواجهة الموقف كما يجب, كما ليس سرا أن مفاوضات سابقة عديدة حدثت مع إرهابيين في مواقف مشابهة للأزمة التي نحن بصددها وقد تحققت مطالبهم, وهو ما جعلها قابلة للتكرار.. ومن هنا فإننا أمام سلسلة من الانتهاكات لهيبة الدولة آن لها أن تتوقف, مع الأخذ في الاعتبار أن الإرهاب أو عمليات الإرهاب لا تتعلق بساعة أو لحظة تنفيذها وإنما بساعة أو لحظة الدعم اللفظي والمعنوي لها, وهو ما نراه الآن في صور وأشكال عديدة عبر ميكروفونات وأقلام يجب التوقف أمامها ومواجهتها بقوة, وإلا فإننا كمن يحرث في الهواء!
ورغم ما قيل وأشيع عن خلافات وأزمات بين سلطات الدولة المختلفة طيلة أيام الأزمة, فإنني أستطيع الجزم بأن هذه الأزمة كانت بمثابة الحدث الأبرز الذي التفت حوله قوي الشعب بمختلف انتماءاتها السياسية, وأجهزة الدولة الرسمية علي اختلاف مشاربها, وهو ما جعل الرئيس محمد مرسي خلال استقباله الجنود يؤكد هذا المعني وعدة معان أخري, من خلال عدة نقاط أراها تمثل بداية عهد وعقد جديدين في علاقاتنا الداخلية, إذا خلصت النيات, وهي حسبما جاء نصا في خطابه, علي النحو التالي:
ما حدث فرصة جيدة لنثبت للعالم وحدتنا من أجل أمن وتقدم بلادنا.
هذه العملية تمثل توطيدا لوحدة الوطن ووحدة القيادة وتكامل الأدوات.
أدعو جميع أبناء الوطن إلي الانطلاق في منظومة واحدة, ونحب بعضنا بعضا وننطلق للأمام.
للوطن قيادة منتخبة, ولدينا الآن فرصة كبيرة لتحقيق الاستقرار.
أمامنا الكثير من الأشواك, ولكننا قادرون علي تخطيها وتحقيق هدفنا.
القوات المسلحة ورجالها حموا الثورة, ومازالوا يحمون الوطن.
أدعو الجميع, أغلبية ومعارضة, إلي تغليب مصلحة الوطن, فهيا بنا نتحاور ونختلف ونتناقش.
نحن اليوم انبعثنا من جديد بهذه القيادة العظيمة لتحقيق نهضة كبري.
من له حق سيأخذه, ولكن ليس بالسلاح والإجرام.
نحن مستمرون في أدائنا المتميز, ومعارضتنا في أعيننا, ونحن ذاهبون إلي بر الأمان.
هذا الحادث فرصة كبيرة ليرانا الجميع جسرا واحدا.
أدعو أبناء سيناء ممن لديهم سلاح إلي تسليمه, فالسلاح لابد أن يكون مع السلطة فقط.
نحن قادرون علي تحقيق أمن واستقرار أبناء سيناء, والقانون فوق الجميع, والوطن فوقنا جميعا.
نسعي إلي إقامة دولة مستقرة, وسيناء في القلب منها.
ولذلك فقد أري في هذه النقاط فرصة تاريخية لالتقاء كل القوي, حيث يمكن الالتفاف حولها وصياغتها من جديد في صورة وثيقة رسمية سوف يصفق لها الشعب, إلا أن ما لا يمكن قبوله هو أن نتحدث بهذا الخطاب الوطني الجاد في مناسبة جعلنا الشكوك تحوم حولها من كل الزوايا, فلن يكون مقبولا أبدا أن تكون هناك اتفاقات غير معلنة أو صفقة سرية في عملية الإفراج عن الجنود, وذلك لأن الطرف الآخر هنا هو البلطجة والإرهاب, وإذا كنا قد رأينا في عودة الجنود سالمين انتصارا لدبلوماسية الحوار فهو في هذه الحالة انتصار بطعم الهزيمة, أما إذا كانت هذه مجرد تكهنات, فيجب أن تكون الردود عليها دامغة وقوية, وذلك بالإعلان عن تفاصيل الأيام الستة بشفافية كاملة, فلم يعد هناك سر في عالم اليوم, بل لم يعد هناك من يمكن أن يقبل ذلك في ظل التطورات الجديدة في مجتمعنا, وقبل كل ذلك لا يمكن القبول بإرساء مبدأ الحصول علي حقوق أو مميزات عن طريق الخطف, والتهديد, والوعيد, وابتزاز الدولة, والنيل من هيبتها.
بالفعل..
كان الخطاب الرسمي عقب الإفراج عن الجنود حماسيا, إلا أنه لم يكن مقنعا, حيث لم يجب بشفافية عن تساؤلات العامة, فما بالنا بالخاصة منها؟!, وهو الأمر الذي فتح باب الاستنتاجات واسعا لدرجة يصعب التعامل معها الآن, إلا أن ما يمكن أن يقطع دابر كل هذه الشائعات والتكهنات, هو الإصرار علي اعتقال خاطفي الجنود وتقديمهم إلي محاكمة سريعة وعادلة, وهو ما لم يكن واضحا أيضا في الخطاب الرسمي في اليوم الأول إلي أن تم تداركه أمس بالتصريحات الجديدة للرئيس, والأهم من ذلك هو ضمان عدم تكرار مثل هذه الممارسات الإرهابية مستقبلا, ولن يتأتي ذلك إلا بمواجهة شاملة مع الإرهابيين وحملة السلاح علي كل شبر من أرض مصر, وهو ما ليس مؤكدا أيضا حتي الآن, وبالتالي فإننا يمكن أن ندور في حلقة مفرغة من الأزمات التي لن تنتهي بمجرد التهديد والوعيد, ما لم يقابل ذلك فعل علي أرض الواقع يتناسب مع حجم الحدث, مهما تكن التكلفة المادية والبشرية, مع الأخذ في الاعتبار أن أي مشروعات تنمية, أو استقرار, أو جذب رءوس أموال, لن يكتب لها النجاح إذا استمرت هذه الأوضاع, وبالتالي فمن المنطقي أن نحدد أولوياتنا, التي يجب أن تبدأ بفرض الأمن في المقام الأول.
وفي هذا الصدد..
تجدر الإشارة إلي أن قواتنا المسلحة ربما كانت أدري بشعاب ودروب شبه جزيرة سيناء من أهلها القاطنين بها, وربما كانت أدري بخيراتها وثرواتها من كل أجهزة الدولة المتخصصة في هذا الشأن, وربما كانت أدري بالأطماع الخارجية فيها من المحللين والمتحذلقين, وهو الأمر الذي يتوجب معه إسناد أمر هذه البقعة من بر مصر إلي هذه القوات أمنيا واقتصاديا واجتماعيا, إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا, بتنميتها بشريا في المقام الأول, وبعد ذلك لكل حادث حديث, وخاصة أننا قد عهدنا في القوات المسلحة المصرية الحزم, والحسم, والقدرة علي اتخاذ القرار, والأهم من ذلك سرعة التعامل مع الحدث, وهي الأمور التي تفتقدها الأرض السيناوية الآن, كما عهدنا فيها أيضا نجاحات مشهودة في المجال الاقتصادي, وإدارة الأعمال, والاستثمار, وتنمية المشروعات, وذلك بحكم توافر كوادر في صفوفها في كل هذه المجالات, فلماذا الإصرار إذن علي التخبط, والتشتت, وتضارب الاختصاصات, مما جعلها تزداد فقرا, وبطالة, وانفلاتا بلغ درجة الإرهاب والتسلح؟!
أمر الدولة المصرية أيها السادة لم يعد يحتمل أنصاف الحلول, فما بالنا إذا تعلق الأمر بسيناء؟!.. وأمر السلاح بأيدي الخارجين علي القانون لم يعد يحتمل التخاذل, فما بالنا إذا تعلق بأسلحة ثقيلة في سيناء؟!.. وأمر الاقتصاد المصري المهترئ لم يعد يحتمل العبث, فما بالنا إذا كان الحل في سيناء؟!.. وأمر السياحة المصرية لم يعد يحتمل التراجع, فما بالنا إذا كانت الانطلاقة في سيناء؟!.. وأمر البطالة في مصر أصبح قنبلة موقوتة, فما بالنا إذا كانت سيناء هي الملاذ؟!.. وأمر الصناعة المصرية أصبح في خبر كان, فما بالنا إذا كان الأمل في سيناء؟!.. وعلي الرغم من ذلك, فقد أصبحت سيناء, وعلي مدي ثلاثة عقود من استردادها كاملة من أيدي المحتل, نموذجا لإهمال الدولة, وفشل الإدارة, ومن ثم فقد خسرت مصر كلها حكومة وشعبا, ومن العبث أن نتصور أن الخسارة قد طالت سيناء وأهلها فقط.
علي أي حال..
إذا كانت العملية الإرهابية الأخيرة, والمتمثلة في اختطاف الجنود العزل, قد نزلت كالصاعقة علي قلب كل مواطن داخل وخارج مصر, فقد كانت في الوقت نفسه بمثابة استفتاء علي سيناء, تجمعت حوله كل الأفئدة, والدعوات, والصلوات, وقد تكون جرس الإنذار الذي يجب أن تتحرك معه كل أجهزة الدولة, لوضع هذه البقعة المباركة في صدارة الاهتمام, فهي التي ارتوت بدماء زكية علي امتداد تاريخها الطويل, وهي التي سطرت فصولا من أمجاد وبطولات هذا الشعب الصابر المثابر, وقد آن الأوان لأن تحصل علي الاهتمام الذي يليق بها, والذي يثبت أننا نستحقها, وكفي تدليلا لمن يدعون ملكيتها, فالدماء التي سالت هناك كانت لمن يحملون الجنسية المصرية من أقصي البلاد إلي أقصاها, والزوجات اللاتي ترملن, والأمهات الثكالي, والأطفال الذين يتموا هم أولي الناس بسيناء, وكفي مزايدات, وكفانا طبطبة و دلعا, حتي لا يمتد ميراث الإهمال إلي سنوات أخري مقبلة, وحين ذلك لن ينفع الندم, حيث لن نستطيع حينذاك التفاخر بأي انتصارات, حتي لو كانت بطعم الهزيمة!
ثورة الغضب..!
بداية غير مبشرة لصيف لم يبدأ بعد مع الكهرباء, التي بدت وكأنها القشة التي يمكن أن تقصم ظهر البعير, فقد اعتاد الناس ارتفاع الأسعار يوما تلو الآخر, حتي فقدت الرواتب25% علي الأقل من قيمتها خلال العامين الماضيين دون رد فعل منفلت, اللهم إلا التململ والتذمر والاحتقان.
ومع ما هو منتظر من كوبونات للخبز, وأخري للبنزين, وثالثة للسولار, ورابعة للغاز, وارتفاع أسعار الكهرباء والمياه اللتين يمكن أن تطولهما أيضا بطاقات من أي نوع, لن يستطيع المواطن اعتياد هذه الأمور بالتأكيد, وهو يري العالم من حوله ينطلق إلي حياة معيشية أكثر يسرا, في الوقت الذي أصبحت فيه مثل هذه البطاقات والكوبونات من الماضي حتي في الدول الشيوعية, أو التي كانت.
ومن هنا.. فنحن علي أبواب اختبارات للدولة مع المواطن أري أن عواقبها ليست محسوبة بالقدر الكافي, وهو ما يجعلنا ننبه بصدق وأمانة إلي خطورة ذلك في المستقبل القريب, وقد ظهرت أولي بوادره مع الكهرباء التي لم يتحمل الناس أزماتها اليومية, فراحوا يقطعون الطرق هنا, ويؤسسون لموجات من الاحتجاج هناك, وما هي إلا البداية.
فالشارع قد لا يبالي بدستور من أي نوع, أو بقانون للسلطة القضائية بأي شكل, أو بلوائح مراكز شبابية علي أي وجه, إلا أن تلك المتعلقة بأموره الحياتية اليومية سوف تظل تمثل خطا أحمر, أيا كانت المبررات التي تسوقها الدولة, ولنا في أحداث18 و19 يناير1977 العبرة, حيث لم يتحمل المواطن حينذاك المساس بهذه المتطلبات, فراح يحرق, ويدمر, وينهب, وإذا كان ذلك الغضب قد تراجع مع تراجع الدولة عن قراراتها, فإن الوضع الآن يختلف كثيرا عن سابقه, مع وجود نافخي الكير علي جميع المستويات.
أعتقد أن الدولة مازالت أمامها الفرصة لكي تعيد النظر في أمور كثيرة من المنتظر أن تكون بمثابة الوقود الذي يشعل المجتمع من أقصاه إلي أقصاه, وقد كان في حديث رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد رسالة مهمة إلي حد كبير للتجربة المصرية حينما أكد رفض بلاده في الماضي, وتحديدا في بداية نهضتها الاقتصادية, نصائح وشروط صندوق النقد الدولي, علي اعتبار أنها لا تخدم مصالح مواطنيه, وهو ما ينطبق علي تجربتنا المصرية التي عانت طويلا مثل هذه الشروط.
بالتأكيد.. الشارع لا يعول علي نهضة اقتصادية بين ليلة وضحاها, أو حياة معيشية رغدة في زمن قياسي, إلا أنه في الوقت نفسه سوف يضيق ذرعا بأي إجراءات من شأنها التضييق علي حياته أكثر من ذلك, فالحياة قاسية بما فيه الكفاية, وإلا لما ارتفعت نسبة الفقر خلال العامين الماضيين مقارنة بالأعوام السابقة, فلم تفلح الديمقراطية في سد رمق الجوعي, كما لم تستطع الحريات ملء البطون الخاوية.
ومن هنا.. فنحن مطالبون الآن بالبحث عن بدائل غير تقليدية للخروج من هذا النفق المظلم, وذلك بتكافل حقيقي يحقق العدالة الاجتماعية دون المساس بالشريحة العظمي من الشعب التي تقتات بالكاد, وذلك بتنظيم استخدام زكاة المال والحث عليها من جهة, وسرعة الخروج إلي الصحراء وتعميرها من جهة أخري, والانفتاح علي العالم من جهة ثالثة, وقبل كل ذلك إصلاح ذات البين, حتي يمكن أن ينضوي الجميع تحت مظلة عمل واحدة هدفها الأول والأخير هو الوطن والمواطن.
فمن المسلمات أن يشعر أصحاب رءوس الأموال بأنهم شركاء في إدارة شئون المجتمع, وفي صناعة القرار فيه, وفي تقرير مصيرهم, أما إذا استمرت حالة التوجس والخوف مع انقسام المجتمع إلي فصائل متنافرة, فأعتقد أن حالة الغضب سوف تستمر, ومع ما هو منتظر من قرارات لم يألفها الشعب من قبل, فإن حالة الغضب هذه قد تتحول إلي ثورة غضب!. اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد.
[email protected]

لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.