اشتد حزن الموسيقار الكبير كمال الطويل علي رحيل رفيق رحلته الفنية عبد الحليم حافظ عندما قرأ نبأ وفاته في الصحف يوم30 مارس1977 وكان أكثر المترددين عليه في أثناء مرضه بمستشفي لندن كلينك ولم يتمالك نفسه وهو يودع جثمانه إلي مثواه الأخير في جنازة مهيبة بجامع عمر مكرم يوم2 أبريل بعد وفاته بيومين, حيث اكتظت ساحة ميدان التحرير بالفنانين والكتاب وعشاق فنه الأصيل من يومها وكمال الطويل أغلق علي نفسه باب شقته لما أصابه من حزن شديد علي رحيله وظل لفترة طويلة حبيس شقته بالعمارة رقم(3) بشارع العزيز عثمان بالزمالك لا يطيق حتي مجرد النظر إلي البيانو الذي كان يجلس عليه وإلي جواره عبد الحليم يحفظ منه أجمل ألحانه أو يمسك بالعود الذي خرجت من أوتاره أجمل وأحلي الأنغام لأغانيه الشهيرة العاطفية مثل( علي قد الشوق والحلوة حلوة وبتلوموني ليه وفي يوم في شهر في سنة تهدي الجراح وتنام) وغيرها إلي جانب أغانيه الوطنية التي حفظها المصريون عن ظهر قلب مثل( حكاية شعب) في بناء السد العالي والمسئولية وصورة صورة كلنا عايزين صورة وبالأحضان يا بلادنا الحلوة بالأحضان وبأحلف بسماها وبترابها وصباح الخير يا سيناء وغيرها التي جعلت كمال الطويل أكثر من لحنوا لعبد الحليم وأقربهم إلي قلبه. واستمرت حالة الحزن علي عبد الحليم لأكثر من عامين اعتزل خلالها التلحين رغم إلحاح المقربين إليه من الكتاب والفنانين بضرورة العودة للتلحين لأن عزوفه عن الإبداع اللحني فيه خسارة كبيرة للفن ولبلده الذي أبدع له أجمل الألحان وكان في كل مرة يقول لأصدقائه سوف أعود بفضل الله عندما أجد الكلام الذي يشدني إلي التلحين مرة أخري وكانت أكثر المترددين عليه ببيته الفنانة وردة وأكثر من تطلب منه العودة مرة أخري وكان في كل مرة يقول لها عندما أجد الكلام سوف تكون أول أغنية من تلحيني من نصيبها واعتبرت هذا وعدا من الطويل بالتلحين حتي لو كان اللحن لغيرها من المطربين والمطربات شاءت الظروف أن ألتقي الأستاذ كمال الطويل أمام دار أخبار اليوم حيث كان في طريقه لزيارة أحد أصدقائه من الصحفيين هناك وكنت عائدا من التليفزيون وقال لي الطويل:( فيه عندك كلام حلو لوردة ؟؟) وكان يتابع أغنياتي التي كتبتها في الفترة الأخيرة وأبدي إعجابه بها مثل( حبايب مصر, والله علي الشعب) لحلمي بكر وعليا التونسية وفايزة أحمد والمركبة عدت لعبد الحليم حافظ لحن الموسيقار محمد عبد الوهاب وأقوي من الزمان لشادية وعمار الشريعي واعتبرت هذا تكليفا من الطويل بكتابة أغنية يقتنع بها أولا, وطلب مني أن أرد عليه خلال أسبوع علي أكثر تقدير لأن هناك كلمات كثيرة لا يزال يبحث عن الأحسن لأن وردة ستكون أول من تغني من ألحانه بعد رحيل رفيق دربه عبد الحليم حافظ, وعشت بالفعل مع هذا التكليف, ولم يهدأ لي بال إلا بعد أن أكتب هذه الأغنية التي أتمني أن تلقي قبولا عند الطويل لأنه من الصعب أن يقبل كلاما لا يقتنع به, وهو ما يتبين من كل الأغاني التي لحنها في حياته لكل المطربين والمطربات, وبعد ثلاثة أيام جاءني خاطر في كتابة أغنية اسميتها أصلك تتحب وفي المساء كنت قد انتهيت من كتابة مذهب الأغنية واتصلت بالطويل وقال لي سمعني يا رب يكون عندك كلام حلو, وقرأت له المذهب الذي يقول( أهو كده بوجودك.. يبقي كده له طعم الحب.. نسيتني عذاب الشوق كله وشرحت القلب.. يا أجمل وعد.. يا قدم السعد.. يا شمسي وقمري في ليل البعد.. هواك عمره ماجه علي بال ولا حتي خطر في خيال.. ولا شوفتوا إتقرا في كتاب.. ولا مرة إتحكي في موال.. أصلك شيء نادر في الدنيا ولازم تتحب..) عجبه المذهب الذي كان قد كتبه بخط يده وطلب مني التوجه إليه مساء اليوم التالي في نفس الموعد لأقرأ له باقي كلام الأغنية.. وذهبت في الموعد المحدد ووجدته في إنتظاري وكانت المفاجأة بعد أن تناولنا فنجان الشاي أن وجدته انتهي من تلحين المذهب الذي سمعه مني وفي انتظار الكوبليهات, وكانت المفاجأة الأكبر هي اتصاله بالفنانة وردة ليخبرها بأنه عثر علي الكلام وبدأ بالتلحين فعلا وبعد يومين أو ثلاثة سيتصل بالموسيقار أحمد فؤاد حسن قائد الفرقة الماسية لإجراء البروفات بعد كتابة النوتة الموسيقية, وفرحت وردة بهذا الخبر, وتحدد موعد البروفات بالفعل في مكتب الفرقة بعمارة المقاولين العرب بشارع عبد الخالق ثروت وطلب مني الطويل حضور البروفات وكنت حريصا علي ذلك وبدأت وردة تغني المذهب مع إعجاب كبير من الفرقة الماسية الذين كانوا أكثر سعادة بعودة الطويل للتلحين مرة أخري, واستمرت البروفات لمدة أسبوعين تحدد بعدها موعد نقل الحفل الذي ستغني فيه وردة علي الهواء من التليفزيون والإذاعة ونشرت الصحف أخبار عودة الطويل للتلحين وابتهاج أصدقاء الطويل من الصحفيين والكتاب بهذه العودة. وبالفعل استعدت وردة الجزائرية للغناء في الحفل وأجرت مع الطويل بروفة نهائية علي مسرح سينما قصر النيل قبل توافد الفرقة الموسيقية التي كانت تضم نحو40 عازفا علي المسرح والتي قادها أحمد فؤاد حسن بنفسه وكان سعيدا بهذا اللحن وبصديق مشواره كمال الطويل الذي كثيرا ما كان يطلب منه العودة أيضا وفي الموعد المحدد اكتظ المسرح بالحاضرين عن آخره وبدأت وبعد أن قرأ مذيع الحفل مذهب الأغنية وسط تصفيق الحاضرين للحن الذي أبدعه الطويل ودخلت وردة في الغناء ليطلب منها الجمهور إعادة المذهب مرة أخري ونفس الشيء بالنسبة للكوبليه الثاني والثالث والأخير الذي طلب الجمهور إعادته ثلاث مرات وسط التصفيق الحار وانبهار الجمهور بالكلمات واللحن وبالأداء الرائع للفنانة وردة التي كانت في قمة اندماجها باللحن, بعدها ودع الجمهور المسرح بعد انتهاء الأغنية وأسدل الستار لنجد الفنانة وردة صعدت إلي المسرح لتحية الطويل علي هذا اللحن الرائع الذي عادت به وعاد بها ووسط ابتهاج الفرقة الموسيقية في الكواليس فوجئ الطويل وأحمد فؤاد حسن بها وهي تقول ياأستاذ كمال الأغنية جميلة جدا بس أنا عايزة أعدل في دخول الأغنية فتعجب الحاضرون من قولها.. وقال لها الطويل وفؤاد حسن: بس الأغنية يا وردة نجحت وأذيعت علي الهواء ونقلها التليفزيون والإذاعة فكيف يكون التعديل بعد الهواء ولكنها أصرت علي ذلك فقالت للحاضرين اسمعوني أنا عايزة أقول إيه في هذا التعديل, قال لها الطويل سمعينا عايزة تعدلي إيه؟ قالت: إنت بتقول يا كمال في الدخول أهو كده بوجودك يبقي كده له طعم الحب بس أنا عايزة أقول بعد عودتك للتلحين أهو كده بوجودك يبقي كده طعم الفن.. ضحك الطويل وأحمد فؤاد حسن وأعضاء الفرقة الموسيقية علي هذا الثناء وغادرت وردة المسرح إلي بيتها وكذلك الطويل وعدت أنا إلي منزلي بعد ليلة حافلة بالغناء الجميل واللحن الأجمل الذي أبدعه الطويل بعد توقف عن التلحين لأكثر من عامين.