في مايو من كل عام تحل ذكري نكبة فلسطين, وتمر عادة دون أن تعرف الأجيال المصرية الشابة حقائقها التي طمست عن عمد. من طمسوا تلك الحقائق في الماضي خلفوا لنا من يتعمدون هذه الأيام اتهام وتشويه المجاهدين المقاومين بأرواحهم لاستعادة مسري رسول الله صلي الله عليه وسلم والأقصي الأسير. يزج البعض بحركة حماس في الصراع السياسي من باب الكيد والغيرة من رئيس اخترناه في أول انتخابات حرة في تاريخنا. يكاد كارهو الإخوان يمتدحون العصابات الصهيونية في فلسطين أو علي الأقل يخرسون عما ترتكبه إسرائيل يوميا في الشعب الفلسطيني. في السطور التالية نكشف بعضا من الحقائق التاريخية التي جري التعتيم التام عليها ونستخلص الدروس المستفادة منها: - تدربت علي أرض مصر عناصر كثيرة من العصابات الصهيونية التي تسللت وتشكلت في فلسطين قبل أكثر من عقدين من إعلان دولة الكيان الصهيوني عام.1948 نعم... أفراد من الهاجاناه, وشتيرن, وتزفاي ليومي, عملوا وتدربوا في مصر. الإنجليز كانوا يتغافلون عن تدريباتهم سرا وعلانية في العاصمة المصرية. وكان من تلك العصابات جيش غير معلن من نحو ثلاثين ألفا يتدربون بالصحراء الغربية. وقد شهد البعض ممن تحدثت إليهم من شيوخ المقاومة الإخوانية تدريبات الصهاينة في نادي المكابي بحي الظاهر,( ناد اجتماعي قاهري يهودي كبير في ذلك الوقت). قال لي في حديث متلفز الشيخ الأزهري الراحل عبد المعز عبد الستار رحمه الله إنه رأي بأم عينه قرابة300 يهودي, يتدربون ليلا في ذلك النادي بقلب القاهرة. وقد سألته: لعلها كانت محاضرات ومناقشات؟ فأجاب: بلكان تدريبا شاقا, وكتفا سلاح, وخطوة تنظيم. كما كان أفراد تلك العصابات يشتركون في فرق الكشافة والجوالة, وكانوا يذهبون معا إلي منطقة حلوان. ولا شك أن الدرس المستفاد من هذه الحقيقة هو أنللصهاينة قدرات رهيبة علي اختراق المجتمعات التي يعيشون فيها أو التي تطبع علاقاتها معهم. ومن هنا فعلينا أن نفتح عيوننا ومسامنا. ويجب أن تدرب الدولة ومنظمات المجتمع الأهلي المواطنين وتشجعهم كي تقوي حواسهم في كشف الصهاينة وعملائهم, وبخاصة العملاء بالغفلة. - الخلافات الفلسطينية الفلسطينية متجذرة منذ ما قبل النكبة في أرض فلسطين.كانت هناك خلافات بين الجمعيات والعائلات الكبيرة, مثل الخلاف بين عائلتي النشاشيبي والحسيني, حيث كان ولاء راغب النشاشيبي للإنجليز وللملك عبد الله في الأردن.ومن أسف أن بعض الفصائل إلي اليوم لا تستحيي من أن يكون ولاؤها ليس لشعبها بقدر ما هو لبعض النظم العربية وغير العربية التي تتاجر بالقضية الفلسطينية. ومن أسف هناك من تلك الفصائل إلي وقتنا هذا, أفراد يبيعون أنفسهم حتي لعدوهم مقابل سلطة زائفة أو منافع زائلة. - القيادة السياسية والعسكرية المصرية منذ الفراعنة إلي محمد علي وفاروق وناصر والسادات مدت بصرها وبصيرتها وجيوشها إلي حدود مصر الشرقية في فلسطين. الشاويش الأعجمي محمد علي ذهبت قواته إلي فلسطين وبقيت هنا ردحا من الزمن. البكباشي ناصر سلخ السودان عن مصر بإرادته, ولما تبني قضية تحرير فلسطين تسبب هو والرائد عبد الحكيم عامر في قضم العصابات الصهيونية الضفة وغزة وثلث مصر أي سيناء.( بشهادة كتبتها ابنة الزعيم ورد فيها هذا المعنيبإحدي الصحفقبل نحو عام) أما جنوب السودان التي تخلي عنها ناصر, فيمرح الصهاينة فيها وفي الحبشة تآمرا علي المحروسة. - لم يقتل الإمام البنا إلا بعدما ظهر أن للإخوان قوة في فلسطين كادت تفشل حلم الوطن القومي لليهود. وكان الجيش المصري المهلهل الذي ذهب إلي فلسطين عام48 إذا سقط منه موقع يطلب من الإخوان استرداده; فمثلا استرد الشيخ محمد فرغلي وإخوانه التبة82, بعدما فقدها الجيش, وطلب من الإخوان أن يستردوها.ولما ظهرت قوة الإخوان, أيقن اليهود والإنجليز والأمريكان أنه لا سبيل أبدا, ولا ضمان لقيام الدولة الإسرائيلية إلا بالقضاء علي الإخوان. موشيه ديان أحد القادة العسكريين الصهاينة, قال في ذلك الوقت لا تدخلوا مع الإخوان في معركة فاصلة, فهؤلاء جاءوا ليموتوا, ونحن جئنا لنبني دولة; فلا ندخل معهم في صراع. ولهذا اجتمع سفراء أمريكا وإنجلترا وفرنسا وطلبوا من محمود فهمي النقراشي( كان يجمع حينئذ بين منصبي رئيس الوزراء ووزير الداخلية في مصر) المسارعة بحل الإخوان, فانصاع وحل الجماعة فورا. - قبل هزيمة يونيو1967 م, كنا ننتظر, ونتمني أن يكون ما ردده الحكم الناصري في خطاباته وأناشيد وأغنيات إذاعاته بشأن فلسطين صادقا; لكن الأمر كان بكل أسف عملية استعراضية جوفاء. صواريخ الظافر, والقاهر, تمددت علي الأرض ولم تقو علي الوقوف في قواعدها. وحطمت إسرائيل طائرات سلاح الجو المصري دون أن تطير منه واحدة. لم تزد معركة ضرب طيراننا الراقد علي سويعات قليلة, وقتل جيش الاحتلال الصهيوني وأسر عشرات الآلاف من خيرة أبناء مصر. كل ذلك حدث بنزق وإهمال وخيبة ولا نقول خيانة النظام في ذلك الوقت. وقد طمس مزورو التاريخ أن الإخوانفي حينهأرسلوا من سجونهم عام67, يقولون للزعيم نحن مستعدون للمشاركة في الحرب, فرفض. إنالكيان الصهيوني ومسانديه في أمريكا والغرب لا يقبلون أن تتحول مصر بقيادة الإخوان أو بغيرهم إلي قوة تهدد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. خبرات وأدوات تل أبيب وواشنطن وصهاينة الغرب وعملائهم مسخرة ومفعلة باضطراد لإجهاض الثورة المصرية وضرب الإخوان. لمزيد من مقالات حازم غراب