عنوان المقال رسالة موجهة إلي جميع البلدان العربية التي تضع العراقيل في طريق سفر مواطني البلدان العربية الأخري إليها. دعتني المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأممالمتحدة للتحدث في افتتاح اجتماع لمناقشة برنامج عملها في المنطقة العربية للسنوات الأربع القادمة ينعقد في تونس. وتحمست للمشاركة لأهمية الموضوع من ناحية ولأنني أحب تونس واعتز بصداقات كثيرة بين أهلها. ولكن بدأت المتاعب حينما سعيت للحصول علي تأشيرة دخول لتونس. في وقت مضي كانت الدعوة من منظمة دولية للمشاركة في اجتماع في بلد كتونس تكفي لتيسير منح التأشيرة مجانا مجاملة لمنظمة الأممالمتحدة وترغيبا لها في عقد نشاطاتها في البلد. ولكن تقديم أوراقي المطلوبة من القنصلية التونسية في القاهرة, والتي حرصت علي أن تتضمن الدعوة الموجهة لي للمشاركة في اجتماع المفوضية السامية المذكور, بدأ رحلة عذاب انطلقت من ضيق المكان المخصص لانتظار طالبي التأشيرات إلي البطء الشديد من دون نظام ييسر التعامل والتعنت في الإجراءات. وكم كانت دهشتي عند ظهور بشائر الحصول علي التأشيرة أن طلب من دفع رسم يقارب ألف جنيه مصري. وهو رسم يفوق ما يطلب كرسم لتأشيرة دخول لجميع دول أوروبا. وباعتبار مستوي الدخول في مصر فإن تتطلب رسم مبالغ فيه إلي هذا الحد يمثل قيدا مانعا لغالبية المصريين. يعني حرص السلطات التونسية علي منع أكبر عدد من المصريين من دخول تونس, وهو امر يبعث علي الأسف والأسي خاصة في ضوء الحقيقة المفجعة القائلة بأن الأمريكي أو الفرنسي لا يحتاج تاشيرة أصلا لدخول تونس. صحيح أن العرب يواجهون عقبات في السفر إلي الدول الغربية, ولكن الأصل أن تيسر الدول العربية انتقال البشر بين بلدان الوطن العربي, وقد كانت حرية التنقل مكفولة فعلا علي الرغم من صعوبة السفر قبل أن يمزق الاستعمار الأجنبي أوصال الوطن الواحد.والواقع أن البلدان العربية قد انضمت منذ1957 إلي اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية التي تنص علي هذه الميزة ولكن منذ ذلك الحين تردت العلاقات بين الدول العربية بما أهدر تلك التوجهات الوحدوية الطيبة. وأفضت المغالاة في التقوقع القطري إلي تقوية موانع التنقل بين الدول العربية. فقد أفرطت الدول العربية الهشة وحديثة التكوين والخاضعة لنفوذ أجنبي, في المغالاة في التعبير عن السيادة القطرية, من خلال فرض قيود تكاد تكون مانعة أحيانا علي دخول المواطنين العرب إليها, والعمل والإقامة فيها, مخالفة بذلك اتفاقية الوحدة الاقتصادية التي إنضمت إليها في الخمسينيات من القرن الماضي. وادعو القارئ إلي تخيل مصفوفة, أو جدول مزدوج, تعبر فيه الخلية المعتمة عن أن البلد العربي المسمي في الصف لا يسمح لمواطني البلد العربي المسمي في العمود بدخول أراضيه من دون تأشيرة دخول مسبقة. وتصبح الخلية مضيئة في حال عدم اشتراط الحصول علي تاشيرة مسبقة. ومن أسف أن المصفوفة يغلب عليها العتمة لأن القاعدة في ظل المغالاة في القطرية هي تقييد دخول المواطنين العرب إلي البلدان العربية. غير أن هناك استثناء واضح. إذ يلاحظ أن مواطني دول مجلس التعاون الخليجي يحظون بأفضلية في دخول البلدان العربية, ليس فقط في دول المجلس ولكن في بعض من غيرها أيضا. ويلاحظ أن دول مجلس التعاون الخليجي لا ترد هذه المعاملة الحسنة. فعلي الرغم من أن مصر وتونس والمغرب تسمح لمواطني دول المجلس بالدخول من دون تأشيرة مسبقة, لا يحظي مواطنو مصر وتونس والمغرب بالمعاملة التفضيلية ذاتها في دول المجلس, بينما تعفي دول مجلس التعاون الخليجي مواطني عشرات من الدول غير العربية, علي رأسها الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية من الحصول علي تأشيرة مسبقة لدخول أراضيها. وتنفرد جيبوتي وجزر القمر بأريحية السماح بالحصول علي تأشيرة الدخول عند الوصول لمواطني جميع الدول العربية. وتسمح الأردن والجزائر ولبنان لمواطني عدد محدود من الدول العربية بدخول أراضيها من دون تأشيرة مسبقة لاعتبارات الجوار وتاريخ العلاقات السياسية. إذ بعد إنشاء مجلس التعاون الخليجي استنت الدول العربية الخليجية سنة حميدة بإعفاء مواطني الدول الأعضاء من تأشيرات الدخول والإقامة والعمل. وامتد هذا الإجراء التفضيلي إلي مواطني عدد من الدول الأجنبية, بينما ظل العرب غير الخليجيين يعانون مشقة, وأحيانا مهانة, الحصول علي التأشيرات المطلوبة للدخول والإقامة والعمل. ولا ريب في أن تيسير الدخول والإقامة لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي أمر محمود. إلا أنه, في ترافقه مع التشدد البالغ في وضع القيود علي العرب الآخرين, يحمل شبهة الانتقاص من الهوية العربية الجامعة. فتعفي قطر, وأغلبية الدول العربية الخليجية, مواطني أكثر من ثلاثين دولة أجنبية, في جميع أرجاء المعمورة, من تأشيرة الدخول التي يمكنهم الحصول عليها عند الوصول, بينما يمنع العربي غير الحائز علي تأشيرة من مجرد صعود الطائرة المتجهة إلي الدولة المعنية. ورغم أن السعودية هي الأكثر تشددا في منح تأشيرات الدخول إلا أنها مع ذلك, تقدم تسهيلات لمواطني بعض الدول الأجنبية, فتمنح السعودية تأشيرات سياحية عند الوصول لمواطني الأميريكتين, واليابان, والصين, وسنغافورة, وماليزيا, وبروناي, وكوريا الجنوبية, وأفريقيا الجنوبية. فتعفي قطر( وعمان علي تأشيرة مشتركة) والكويت مواطني البلدان التالية من شرط التأشيرة المسبقة: الولاياتالمتحدة, وبريطانيا, وفرنسا, وإيطاليا, وكندا, وأستراليا, ونيوزيلندا, واليابان, وهولندا, وبلجيكا, ولوكسمبورج, وسويسرة, والنمسا, والسويد, والنرويج, والدانمارك, والبرتغال, وإيرلندا, واليونان, وفنلندة, وإسبانيا, وموناكو, والفاتيكان, وأيسلندا, وأندورا, وسان مارينو, وليختينشتين, وبروناي, وسنغافورة, ماليزيا, هونج كونج, وكوريا الجنوبية. وتضيف الكويت الصين أيضا.وتمنح الإمارات المعاملة التفضيلية ذاتها, مع إضافة مالطة وقبرص. وتتطوع صفحة تأشيرات دبي علي الإنترنت بطمأنة القادمين بأنه بصرف النظر عما يمكن أن تسمع أو تقرأ, فإن وجود خاتم إسرائيل علي الجواز, لا يجب أن يشكل مشكلةب.وتمتد معاناة المواطنين العرب علي حدود الدولة القطرية الخليجية ولو مع الحصول علي تأشيرة دخول, إلي سوء معاملة المواطنين من الموظفين الرسميين, باستعلاء واستهانة ولو كان الوافد علي مكانة متميزة, علي المعابر الحدودية, وقد صارت متواترة حتي ألهمت أعمالا فنية من فنانين عرب ملتزمين مثل دريد لحام. ويزيد من تعاسة العربي الوافد الذي يعاني اظلم ذوي القربي أن يجد مواطني بلدان الغرب يحظون بالتيسير بل التبجيل والتكريم في المعابر الحدودية نفسها, ولو كانو أقل شأنا.في النهاية في حال قيام منطقة المواطنة الحرة العربية التي ندعو لها وتقضي بمنح مواطني البلدان العربية حقوق المواطنة في باقي البلدان العربية ستصبح جميع خلايا المصفوفة اعلاه مضيئة وينفتح أفق رحب للنهضة الإنسانية في عموم الوطن العربي. فالبلدان العربية تواجه كلها تحديات مصيرية تتجاوز حدودها القطرية. وليس في تقديري من فرصة لأي دولة عربية راهنة في النهضة الإنسانية وحدها, فحتي الدول المتقدمة في العصر الراهن تتجمع في كيانات عملاقة. لمزيد من مقالات د . نادر فرجانى