في توقيت شديد الحساسية وبعد عدة أسابيع من التصعيد الشديد والحرب الكلامية بين كوريا الشمالية من ناحية والولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية من ناحية أخري. التي وصلت لحد التهديد بقيام بيونج يانج بتوجيه ضربة عسكرية لجارتها الجنوبية بعد رفض دعوات الأخيرة للحوار, جاء الحكم بالسجن15 عاما مع الاشغال الشاقة علي المواطن الامريكي من أصل كوري باي جون هو واسمه الأمريكي كينيث باي-44 عاما- ويعمل في مجال الرحلات السياحية بعد إدانته بتهمة القيام بأعمال عدائية ضد كوريا الشمالية ومحاولة الاطاحة بنظامها ليفتح فصلا جديدا في تطورات الاحداث في تلك المنطقة. وبينما أكدت وكالة الانباء الكورية الرسمية أن المتهم الذي اعتقل في نوفمبر الماضي في مدينة أسون شمال شرق البلاد بعد دخوله بتأشيرة قانونية, اقر بالتهم الموجهة ضده, واعترف بارتكابه جريمة معاداة الجمهورية وأن جميع التهم الموجهه اليه مؤيدة بالأدلة, فقد سارعت الولاياتالمتحدة بالمطالبة باطلاق سراحه لدوافع انسانية, مؤكدة علي لسان وزارة الخارجية أنها تتابع الموقف عن طريق سفارة السويد, حيث لا توجد علاقات دبلوماسية بين الجانبين. خاصة بعد أن رجحت بعض الأنباء أن السلطات ضبطت بحوزة أحد المسافرين ومعه أقراص تحوي معلومات حساسة, علي عكس ما يؤكده أصدقاؤه من أنه لا ينظم رحلات سياحية فقط لكوريا الشمالية ولكنه انطلاقا من دوافع دينية بحتة يقدم مساعدات دورية لبعض الاطفال الايتام, ويرجحون أن مسئولي الشمال ربما استفزوا من قيامه بالتقاط صور مع هؤلاء الإيتام والاحتفاظ بها علي الكمبيوتر الخاص به. وفي الوقت الذي اعتبر فيه البعض أن محاكمة هذا المواطن الأمريكي, وهو سادس مواطن امريكي يتم اعتقاله في كوريا الشمالية منذ عام2009, تعد تحديا مباشرا لواشنطن ومنعطفا آخر سيئا في العلاقة المتوترة والمتدهورة اصلا معها خلال الشهرين الماضيين, فإن هناك علي الجانب الآخر من يري أن هذا الحكم ربما يكون محاولة من بيونج يانج لدفع واشنطن لإرسال مفاوضين حتي وان كان ذلك بشكل غير رسمي. ودليلهم علي ذلك الأسلوب الذي سبق واتبعه النظام هناك منذ عام2009, حيث شهد هذا العام توترا شديدا بعد قيام بيونج يانج بتجربة اطلاق صاروخ بعيد المدي وإجراء ثاني تجربة نووية تحت الأرض. ففي ذلك الوقت تم القبض علي اثنين من الصحفيين الامريكيين تسللا عبر الحدود مع الصين وحكم عليهما بالسجن المشدد لمدة12 عاما, ثم أطلق سراحهما لأسباب إنسانية بعد زيارة الرئيس السابق بيل كلينتون, الذي التقي آنذاك الرئيس الراحل كيم جونج ايل ثم جرت محادثات أمريكية- كورية شمالية بعدها بعام. وفي عام2011 قام كارتر بزيارة مماثلة لاطلاق سراح مواطن أمريكي حكم عليه بالسجن8 أعوام بعد تسلله بشكل غير قانوني أيضا, كما قام المبعوث الامريكي روبرت كينج بعدها بزيارة مماثلة لاطلاق سراح مواطن أمريكي اعتقل لمدة ستة أشهر بتهمة غير محددة. ولعل تلك الحوادث المشابهه هي التي دفعت كثيرا من المحللين للاعتقاد بأن بيونج يانج تستخدم قضية هذا المواطن الأمريكي كطعم لتدفع باتجاه مثل هذه الخطوة من الجانب الامريكي ولتكون سببا في لقاء بين الجانبين ولو بشكل غير رسمي. فاذا حدث ذلك فان هذه الخطوة فضلا عن كونها ستعطي نظام بيونج يانج نصرا دعائيا في الداخل, فإنها ربما تمهد الطريق لمحادثات اوسع وأكثر رسمية حول العديد من الموضوعات. خاصة وانه في هذا التوقيت بالذات فان بدء محادثات مع واشنطن مرهون بشروط امريكية حول برنامج بيونج يانج النووي, ومن ثم فان مثل هذه القضية يمكن أن توفر زيارة مسئول رفيع المستوي دون أي شروط مسبقة. وهنا تشير صحيفة نيويورك تايمز في تحليلها إلي أن كوريا الشمالية تضع الولاياتالمتحدة أمام خيارين كلاهما سييء من وجهة نظرها, فإما أن تقوم واشنطن كما قامت في المرتين السابقتين بارسال رئيس سابق لاطلاق سراح المواطن الامريكي ومن ثم تستغل الموقف في الدعاية لزعيمها الشاب, الذي يبحث كما تقول الصحيفة عن فرصة لتقديم نفسه وتعزيز موقفه وصورته كصاحب استراتيجية صلبة معادية لواشنطن أو أن تحاول الاخيرة تكسر هذه الدائرة من الابتزاز كما تسميها الصحيفة بتجاهل هذا التكتيك وتترك أحد مواطنيها في سجون بيونج يانج وهو أمر مستبعد الحدوث, خاصة أنه لم يسمح حتي الان لأي منظمات حقوقية أو أي شخص أجنبي بزيارة معسكرات العمل التي يحتجز بها المحكوم عليهم, فضلا عن أن المواطنين الامريكيين الذين أمضوا فترات اعتقال سابقة كانوا يسجنون في أماكن خاصة بعيدا عن السجناء العاديين خوفا من أن يدلوا بشهاداتهم عن الأوضاع هناك بعد عودتهم. وكما يشير أحد الباحثين بجامعة دونجوج بمدينة سول فإن توقيت الحكم يشير بوضوح الي أن الشمال يلعب بنفس الورقة القديمة التي كثيرا مااستخدمها, وبعد ان كانت تصريحات بيونج يانج تهاجم التدريبات العسكرية المشتركة بين واشنطن وسول وتقول إنها بمثابة إعداد للغزو, عادت مع نهاية التدريبات للتخفيف من لهجتها وحولت اهتمامها نحو جر واشنطن لمائدة المفاوضات ثانية باستخدام هذه الورقة, ليبقي السؤال قائما حول الموقف الامريكي وهل سيلعبون بدورهم نفس اللعبة فترسل واشنطن احد الرؤساء السابقين أم لا؟ هذا ما ستسفر عنه تطورات الاحداث المقبلة.