تعتقد معظم الأمهات أن وضع الطفل في غرفة هادئة مع الاهتمام بنظافة طعامه هو كل المطلوب.. لكن هل هذا يكفي لنمو نفسي سليم لطفلك؟. تقول د.هبة عيسوي أستاذ الطب النفسي بكلية طب جامعة عين شمس وعضو الجمعية الأمريكية للطب النفسي: نحن كأخصائيين نرفض هذه المقولة السائدة لأن الطفل يحتاج إلي الرعاية النفسية بالإضافة إلي الرعاية الجسدية منذ اللحظة الأولي لميلاده ولمدة عامين حتي تنتهي مرحلة الفطام. وكلمة السر لتحقيق هذه المعادلة هي حب الأم الذي يبدأ من حضنها ويمر عبر عشر خطوات, أولها الحب من أول لحظة حيث يحتاج الطفل إلي حضن أمه أكثر من أي شيء آخر في العالم, لأن حضنها يمثل له أول شعور بالحماية والأمان وبالتالي فهذا لا يتوافر إلا في ظل الرضاعة الطبيعية. وقد أجرت د.هبة عيسوي دراسة علي تأثير حضن الأم علي التربية النفسية للطفل واكتشفت أن هناك فرقا, فقد أخذت مجموعة من الأطفال الأصحاء من حيث الوزن الطبيعي والطول, وتم تقسيم الأطفال إلي مجموعتين الأولي يتم تغذيتها بالرضاعة الطبيعية والثانية بالألبان الصناعية, وبعد ثلاثة أشهر ظهرت النتائج.. فلوحظ أن حركة الأيدي والأقدام شديدة عند الأطفال الذين يرضعون طبيعيا, وأن علاقة الأطفال الذين يرضعون طبيعيا أفضل بالغرباء, فهو يبدأ بالبحث عن أمه بعينيه دون غضب أو انفعالات, ويبدأ في البكاءبعد فترة طويلة, بعكس الطفل الذي يرضع صناعيا فهو يميل إلي البكاء المبالغ فيه سريعا. والتصاق الطفل بأمه في شهوره الثلاثة الأولي يمنحه الأمان الذي يبحث عنه فيتخطي مرحلة الطفولة المبكرة بسهولة ولا يتعرض لضغوط كبيرة عندما يلتحق بالحضانة في سن الثلاث سنوات. وإذا اضطرت الأم لإرضاع ابنها صناعيا فالرضاعة الصناعية لهاشروط, أولها أن تضم الأم طفلها إلي صدرها ولا ترضعه وهو في سريره, ويجب ألا تتحرك كثيرا حتي يشعر ابنها بالاستقرار, كما أن الإضاءة الخافتة تجعل الطفل يشعر أكثربوجودأمه بجواره. ويجب عدم ترك الطفل منفردا ليرضع نفسه لأن وجوده في حضن الأم يشعره بالحماية والثقة التي كان يشعر بها أثناء وجوده في رحمها, وعند خروجه إلي الحياة تحدث أول لحظة ضغط نفسي, لذلك عليها الاقتراب منه وضمه إلي صدرها حتي يستعيد الأمان الذي افتقده في عالم غريب لا يعرف عنه شيئا. وعلي الأم أيضا أن تكلم طفلها وهو في مهده منذ الميلاد, فتلاغيه ولا تهمله, وقد لا يفهم ما تقول أمه لكن عليها أن تواصل ولا تتوقف, فالحوار هو الخطوة الأولي لتنشيط المخ, ولابد أن تنظر الأم في عيني طفلها في أثناء تغيير ملابسه وتكلمه لتعرفه ماذا تفعل فتقول مثلا: أول شيء نحضر الحفاضة, ثم الماء ثم البودرة.. وهكذا, لأن هذا الكلام ينشط حاسة السمع ويفتح مراكز المخ, وبالتأكيد لن يفهم الطفل ما تقوله الأم لكن كل كلمة تدخل مباشرة إلي خلايا المخ, مع العلم أن الخلايا التي لا تنشط تتعرض للضمور.. ويفضل أن يسمع الطفل باستمرار القرآن والموسيقي الخفيفة, ويستحسن أن تغني الأم لطفلها في أثناء الحمام حتي توجد علاقة تفاعلية بينهما. ومن اليوم الأول لابد أن يلعب الطفل لكن لكل مرحلة لعبها الخاصة, ففي الشهور الأولي يتم اختيار الألعاب المتحركة بألوان صريحة ومتغيرة مثل الأزرق والأحمر والأصفر, مع توضيح الأم أن هذا أحمر وهذا أخضر.. ومع التكرار تصل الرسالة إلي المخ وعند النطق يتم استدعاؤها.. ويفضل أن تصحب الألعاب المتحركة موسيقي هادئة, ثم تبدأ الأم في تعويد طفلها علي الإمساك بأشياء كبيرة تناسب حجم يده حتي يتعلم استخدام عضلاته, وبعد ثلاثة أشهر يجب أن تحرص الأم علي شراء ألعاب ذات أشكال مثلثة ومربعة ومستطيلة يمسكها بيده ويضعها في مكانها, وهو هنا يتعلم الإمساك باللعبة وتشغيل المخ بوضعها في المكان المناسب, ولا داعي للقلق حين يأخذ الطفل ألعابه إلي فمه, فهذه وسيلة للتعرف علي الأشياء لذلك لابد من الحفاظ علي نظافتها. وحدوته قبل النوم لا تقل أهمية عن الكلام واللعب.. صحيح أن الطفل في مرحلته الأولي لا يدرك ما تقوله أمه, لكن ما يسمعه من حكايات وكلمات يظل داخل المخ, ويزيد من مخزون الكلمات لديه وعند النطق تبدأ في الظهور, ويبدو الفرق واضحا بين نطق الطفل الذي استمع للكثير فنطقه سليم, مخارج ألفاظه واضحة, حصيلته اللغوية كبيرة بعكس الطفل الذي تتركه أمه ينام دون أن تحكي له حدوته قبل النوم. والكلام الأول للطفل يكون جميلا, ومضحكا, لكن يجب ألا تستسلم الأم للضحك من النطق غير السليم, ويجب أن تنبه طفلها للكلمة الصحيحة حتي لا يتكلم وهو في السادسة مثل ابن الثالثة. وتري د.هبة أن بعض الأمهات يتركن أطفالهن أمام التليفزيون لمشاهدة أفلام الكرتون لكن هذه الأفلام الصامتة قد تجعل منه طفلا صامتا, لذا يجب أن تجلس الأم إلي جوار ابنها وتقدم له ترجمة بصوتها وتعرفه الأشكال وتروي له القصة في جو من الإثارة والضحك حتي يتفاعل معها. كذلك من المهم جدا أن يتفق الأبوان علي أسلوب التربية, وكل الخوف من الاختلاف أمامه لأنه سوف يلتقط نقاط ضعف الأب والأم ويحاول استغلالها, فلابد أن يسود الاحترام بين الأب والأم ويجب أن يتفقا علي طريقة العقاب والثواب.. وتحذر من مجسات الطفل لأمه, فقد يحاول ضربها وإذا ابتسمت أو ضحكت يصبح الأمر حقا مكتسبا, وقد يفعل نفس الشيء أمام الناس مما يسبب الحرج للأم ويشعرها بالخجل. وفي نهاية حديثها تؤكد د. هبة أن عقاب الطفل عملية مهمة أيضا فلا تعاقبه أمه مباشرة وإنما تعلمه أولا معني العقوبة فتبدأ بكلمة غلط مع تغيير ملامح الوجه إلي نوع من الغضب, ثم تزيد مشاعر الغضب بأن تقول له إنها زعلانة حتي يتفهم الأمر.. وفي كل الأحوال لا يجوز التعامل مع الطفل أثناء لحظة غضب, مع الابتعاد عنه بأن تسلمه للأب أو الشغالة, ولا تحمله أمه أبدا وهي متوترة أو عصبية لأنه يشعر بها ويبدأ في البكاء.