شاهدت مباراتي ذهاب الدور قبل النهائي بمسابقة أبطال أوروبا في كرة القدم, اللتين جمعتا أربعة فرق كبري في منظومتين متكررتين, تضم كل منهما فريقا أسبانيا وآخر ألمانيا, وتابعت كيف سحق فريق بايرن ميونيخ الفريق الكتالوني الشهير برشلونة بأربعة أهداف نظيفة, في حين دك لاعبو بروسيا دورتموند مرمي الفريق الملكي الأسباني ريال مدريد بأربعة أهداف أخري مقابل هدف وحيد.. وبدا لي أن الأمر يستحق شيئا من التأمل والتفكير إذ أن الهزائم واردة في ملاعب الرياضة وساحات كرة القدم, ولكن وطأة تلك الهزائم علي فرق ثقيلة العيار, ونجاح الألمان في كامل السيطرة علي زمن المباراتين واعاقتهم فرص الأسبان في التصرف والتفكير علي نحو مطلق جعلوني أنظر إلي الموضوع من زاوية أخري, إذ كنا بوضوح بإزاء حالة صراع( رياضي وابداعي بالطبع) لها ملمح اثني عرقي ينبغي وضعه في الحسبان, بمعني أن المباراتين كانتا من تجليات تواجه ثقافتي اللاتين والجيرمان, بكل ما تشملانه من مزاج وطبائع وطرق في السلوك أو التفكير, فنحن نري اللاتين( ومنهم الأسبان) فنانين يبحثون عن الجماليات ويقفون علي حواف يعلو فيها حضور الفردية أحيانا حتي وإن انتظمتها ايقاعات تمريرات التيكي تاكا الكتالونية لبرشلونة أو رشاقة وجمال الحوار بالرءوس والكعوب مع الكرة في ريال مدريد.. ولكننا في حالة الجيرمان( الألمان) أمام الانضباط الخططي والتنفيذي( أكاد أقول إنه لون من الثقافة الصناعية) وإعلاء مقام المواصفات القياسية البدنية, والأداء المنظم الجماعي الذي لا يتذبذب صعودا وهبوطا, يعني كنا أمام صرامة وجدية الصناعة في فكر الألمان, وجماليات المظهر وفنونه في مسلك الأسبان صحيح أن الجميع أوروبيون ولكن الاختلافات قائمة منذ هجرات القبائل الهند/ أوروبية في فجر التاريخ, والملامح العرقية الثقافية والمزاجية حاضرة تعلم كل ظهور,.. أقول هذا وأنا أستدعي بعض انطباعات ترسخت في ذهني عن الطريقة التي نلعب بها كرة القدم. إذ لا تبدو تعبيرا عن مزاج عام أو( طريقة) يستندان إلي درجة معينة من النمو الثقافي أو انتماء إلي عرق أو جنس له صفات واضحة, وإنما ننزع إلي العشوائية بكل معاني الكلمة. نحن نريد أن نكون جماليين مثل اللاتين دون وجود نسق متكرر للمواهب كذلك الذي يظهر في البرازيل أو عند الطليان والفرنسيين, ونحن نبغي أن نتسم بالصرامة والجدية الجيرمانية, ولكننا ننزع فطريا إلي الفوضي ونعشقها بأكثر من النظام في انعكاس للانكشارية الاثنية التي يتكون منها الشعب وأظن أن حالنا في السياسة يطابق حالنا في الرياضة. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع