خبر عابر حملته صحف أمس الأول, مفاده أن الكتب المدرسية الخاصة بالعام الدراسي المقبل ستخضع للمراجعة والتقييم بعد الانتهاء من إعدادها بواسطة المؤلفين خلال أيام. كنت أتمني أن يتضمن الخبر إشارة إلي مناهج التاريخ التي يدرسها تلاميذ وطلاب مصر, إلا أنه لم يوضح ما إذا كانت مناهج التاريخ تدخل ضمن التعديلات المحتملة في الكتب الدراسية أم لا. وكان العام الدراسي التالي للثورة قد شهد إبقاء كتب التاريخ علي أجزاء تعدد إنجازات مبارك وتمتدح عهده. وتم استدراك الأمر بإضافة أجزاء تشير إلي ثورة25 يناير التي قامت لتقضي علي ظلم وفساد عهد مبارك. وفضلا عن التناقض في صياغة وتوصيف الأحداث حتي إن كانت جميعها صحيحة, المؤكد أن الأمر بحاجة إلي إعادة نظر شاملة ليس فقط في مضمون كتب التاريخ المصري, لكن أيضا في الأسس الفكرية والعلمية التي ينطلق منها واضعو تلك الكتب والأطر المرجعية التي توجه أفكارهم وصياغاتهم وتوصيفاتهم لأحداث وشخصيات تاريخ مصر. فلم ننس بعد, ذلك الجدل الذي أثير قبل أعوام بمناسبة مرور مائتي عام علي دخول الفرنسيين مصر. بين من يعتبره غزوا واحتلالا ومن يسميه فتحا مثلما يطلق علي دخول المسلمين مصر الفتح الإسلامي. في حين أن كتب التاريخ المدرسية كانت تعتمد وصف االحملة الفرنسية كتعبير محايد. وحيث إن بعض المناهج الدراسية تخضع للتطوير والتحديث, فإن مناهج التاريخ تستحق اهتماما خاصا وعناية غير عادية من جانب وزارة التعليم التي أعلم أنها بدأت فعليا في تصحيح أخطاء وخطايا سنوات طويلة من التخريب والتسطيح في المناهج الدراسية. فمثلا أصبحت مناهج السنوات الأولي من التعليم الابتدائي تهتم بمبادئ القراءة وأولويات الكتابة, وهو أمر- علي بساطته- كان مغيبا من التعليم المصري. وبالمنطق ذاته, يستحق تاريخ مصر القريب قبل وبعد الثورة أن يتم توثيقه وكتابته وتدريسه بشكل علمي محايد لا يبالغ ولا يراوغ. غير أن الأمر أكبر وأوسع من نطاق المناهج التعليمية. حيث يواجه توثيق وكتابة التاريخ المصري أزمة في مضمون العمل والمؤسسات القائمة عليه. فبعض مؤسسات الدولة كانت تتنافس حول توثيق تاريخ مصر الحديث والمعاصر, بل أعلم- عن تجربة- أن في مصر كيانات أنشئت قبل الثورة تحت شعار توثيق تاريخ مصر من خلال رصد وتدوين أنشطة وأعمال الرؤساء من نجيب حتي مبارك, بينما هي في الواقع أنشئت خصيصا لتمجيد مبارك وتخليده صوتا وصورة وليس كتابة فقط. نحن بحاجة إلي توحيد كل المؤسسات المعنية بتاريخ مصر وإنشاء كيان يضمها جميعا, وليكن هيئة مستقلة يشرف عليها ماليا وإداريا البرلمان وليس السلطة التنفيذية. ويكون لها مجلس أمناء من أساطين التاريخ المصري تدريسا وتدوينا, يتولي الإشراف الفني عليها باستقلالية وتجرد. علي أن تعمل هذه الهيئة في إطار حوار وتواصل مجتمعي يضمن التنوع وشمول كل الاتجاهات والمكونات القائمة في المجتمع المصري. كتابة تاريخ مصر وتوثيق حقيقة الثورة المصرية واجب وطني يجب ألا يرتهن بدعوة أو ينتظر قرارا جمهوريا, إنه أمانة في أعناق سواء المختصين في المراكز البحثية مثل وحدة دراسات الثورة بالأهرام ومركز تاريخ مصر بهيئة الكتاب ولجنة تاريخ مصر برئاسة الجمهورية. أو من القائمين علي المؤسسات التنفيذية مثل وزارة الثقافة والمجلس الأعلي للثقافة. أو الأكاديميين من أساتذة التاريخ في الجامعات. بل إن التوثيق الحيادي لتاريخ مصر هو واجب وطني علينا جميعا, مثلما هو حق لنا وللأجيال المقبلة بعدنا. لمزيد من مقالات سامح راشد