رسائل قصيرة بثتها الهواتف المحمولة أمس الأول, وأمس, تحذر علي لسان ما تسمي بجماعة البلاك بلوك من وجود المواطنين بمنطقتي المقطم ومصر الجديدة اليوم الجمعة, علي اعتبار أنهما بالطبع سوف تكونان ساحة صراع عنيف, أو مواجهات دامية, كما عودتنا هذه الجماعة. وبقدر خطورة الرسالة, وهمجية مطلقيها, كان يجب علي الدولة أن تتعامل مع هذا الواقع العبثي, إلا أننا لم نسمع أي تعليق أمني أو غير أمني, من قريب أو بعيد, وكأن ذلك أصبح حالة طبيعية يجب أن يعتادها المجتمع, دون أفق واضح لنهاية هذه المأساة. وعلي الرغم من أن قانون التظاهر الصادر مؤخرا قد نص علي منع التلثم أو تغطية الوجه خلال المظاهرات, ورغم أنه قد أكد أيضا سلميتها, إلا أننا أمام حالة لا علاقة لها بالقانون, ولا بالتشريعات, حيث يحمل هؤلاء السلاح نهارا جهارا, دون أدني رادع, وحيث يشعلون النيران في المنشآت والممتلكات دون مبالاة, وبذلك أصبح المجتمع رهينة مجموعات مسلحة اعتادت التخريب, وأجبرته في الوقت نفسه علي التعامل معها كفصيل سياسي, تتداول أنشطته وسائل الإعلام بمختلف فروعها. وهذه الظاهرة, التي لم تقتصر علي العاصمة فقط, بعد أن امتدت إلي المحافظات, تشير التقارير إلي أنها آخذة في التنامي, بل إن السلاح الذي تستخدمه آخذ هو الآخر في التطور, حيث كان مقصورا في البداية علي الخرطوش, أما الآن فقد أصبح رصاصا حيا, وبذلك فمن حق جماعة' الكتلة السوداء' أن تحذر سكان مناطق بحجم مصر الجديدة والمقطم, وأعتقد أنها يمكن أن تطلق تحذيرها إلي القاهرة ككل في المستقبل. هو عبث ما بعده عبث, أن يتم التغاضي عن هذه المأساة إلي هذا الحد الذي ينذر بحرب أهلية حال استنفار المواطنين الآمنين في بيوتهم للدفاع عن أرواحهم وممتلكاتهم, وهي مأساة ما بعدها مأساة أن نعتاد كل يوم وآخر حالة وقف الحال هذه, التي تسفر عن قتلي وجرحي وتخريب منشآت, وهي طامة كبري أن تقف أجهزة الدولة مكتوفة الأيدي تجاه ذلك الذي يحدث, اللهم إلا إلقاء القبض علي عدة أشخاص يعدون علي أصابع اليد. ويجب أن نعترف بأن هذه الجماعة تحديدا من بين جماعات العنف قد وجدت دعما معنويا من بعض القوي السياسية, التي اعتبرت أنها تناهض السلطة, أو تناوئ فصيلا سياسيا محددا, إلا أن ما لم يدركه هؤلاء وأولئك هو أن هذه الممارسات الدموية والتخريبية قد خرجت بالثورة عن مسارها الطبيعي الذي بدأ سلميا وكان يجب أن ينتهي كذلك, لكن ما حدث هو أن هناك جماعة تحمل السلاح الآن رغم وجود سلطات رسمية في الدولة, وهو أمر يحمل دلالات خطيرة علي المستقبل. إن من حق المواطن سواء كان في مصر الجديدة والمقطم, أو في أي إقليم من بر مصر; أن يعيش في أمن وأمان, وهذه هي مسئولية الدولة الرسمية, التي إن تراخت عن حملها فسوف يصبح من حق أي مواطن التعامل مع الموقف بالطريقة التي يراها ملائمة, بل سيحق لأي فصيل التصدي لمثل هذه الهراء بطريقته أيضا, وحين ذلك نكون قد وصلنا إلي مرحلة اللاعودة, وخاصة إذا ما فرضت لغة السلاح وإطلاق النار نفسها علي مجريات الأحداث. ولذلك, فإن مثل هذه الظواهر كان يجب التعامل معها في مهدها بحسم شديد, وباعتبارها من أعمال الترويع التي تهدد استقرار المجتمع, إلا أن ما حدث هو العكس, حيث وجد هؤلاء تكالبا عليهم من وسائل الإعلام, التي أظهرتهم بمظهر المناضلين والسياسيين, ولم يناقش أحد, حتي الآن, من أين حصلوا علي السلاح؟, أو من ممول هذا الزي الموحد؟, أو من أين ينفقون؟, ولحساب من يعملون؟!. أعتقد أن الأمر جد خطير.. وأن القادم يمكن أن يكون أكثر خطرا, في ظل استمرار هذه الأوضاع دون مواجهة حقيقية. لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة