احتفل العالم خلال الأسبوع المنصرم, وتحديدا في الثامن عشر من أبريل باليوم العالمي للتراث, وهو يوم عالمي حدده المجلس الدولي للمباني والمواقع الأثرية ال(ICOMOS) للاحتفاء به, ويرجع تاريخ اختياره بمناسبة الندوة التي نظمها المجلس الدولي للمباني والمواقع الأثرية بتونس في18 أبريل1982 م, واستجابة لاجتماع مكتب المجلس, تم اقتراح تحديد يوم للاحتفال بتنوع التراث في جميع أنحاء العالم. من هذه الفكرة, نشأ اليوم العالمي للمباني والمواقع الأثرية والذي عرف اختصارا باليوم العالمي للتراث, وقد اعتمد المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو هذه الفكرة بمفهومها العام بقرار في دورته الثانية والعشرين في شهر نوفمبر1983 م. تلك مقدمة سريعة للتعريف بهذا اليوم الذي يؤكد حرص العالم علي التراث البشري والطبيعي لما يمثله من مكانة في وجدان الامم والشعوب, ومحركا لطاقاتهم, وشحذا لقدراتهم بعيدا عن الاتكالية او التقاعس تحت دعاوي الظروف والمشكلات والتحديات التي تحد من قدرات البعض ويري انها الطريق الاسهل لتبرير تقاعسه وتخاذله عن أداء دوره. ولا شك ان الاحتفاء بهذا اليوم عالميا في ظل غياب مصري كامل علي مستوي المؤسسات والاحزاب والافراد يفتح الباب امام جملة من الملاحظات واجبة التسجيل حتي تدرك الدولة والمجتمع المصري أين نحن الآن؟تتمثل هذه الملاحظات الثلاث فيما يلي: أولا- التراث كما عرفته منظمة اليونسكو بصورة مختصرة- بأنه ميراث الماضي الذي نتمتع به اليوم وننقله إلي الأجيال القادمة, مؤكدة الطابع العالمي لهذا المفهوم, حيث تعتبر مواقع التراث العالمي هي ملك لجميع شعوب العالم, بغض النظر عن المكان الذي تقع فيه, وكذلك علي الطابع الشامل لدلالة المفهوم, حيث يشمل التراث الثقافي والطبيعي حينما يتسم هذا التراث بقيمة استثنائية بالنسبة للبشرية, وهي الرؤية التي تجسدت في المعاهدة الدولية عنوانها الاتفاقية الخاصة بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي التي اعتمدتها منظمة اليونسكو في عام.1972 ثانيا- احتفلت معظم المنظمات الدولية والعديد من بلدان العالم باليوم العالمي للتراث, ايمانا منها بأن تراث الامم ركيزة اساسية من ركائز هويتها الثقافة, وعنوان اعتزازها بذاتها الحضارية في تاريخها وحاضرها ومستقبلها, نظرا لما يمثله هذا التراث من قيمة تعد مصدرا تربويا وعلميا وفنيا وثقافيا واجتماعيا للأمة صاحبة هذا التراث, إلا ان ما يثير الاستفهام, أين مصر من هذا اليوم العالمي الذي يعد الاحتفال به واجبا وطنيا؟ و كيف لا ونحن أصحاب هذا الكم الهائل من التراث علي مستوي العالم. ثالثا- أليس من المهم في هذا اليوم أن نستذكر جميعا ما نص عليه الدستور الجديد في فصله الخامس ضمن الهيئات المستقلة التي أنشأها فيما أطلق عليه الهيئة العليا لحفظ التراث المعنية طبقا لما حدده الدستور- بتنظيم وسائل حماية التراث العمراني والثقافي المصري, والإشراف علي جمعه, وتوثيقه وصون موجوداته, واحياء اسهاماته في الحضارة الانسانية. كما جعل الدستور من مهامها ايضا العمل علي توثيق ثورة الخامس والعشرين من يناير وغيرها من ثورات مصر في العصر الحديث. والحقيقة انه رغم دقة النص وشموله وعموميته من ناحية, واهميته من ناحية أخري. إلا ان الواقع العملي شهد انشغالا بقضايا ليست مصيرية ولا ذات اهمية في بناء مصر الجديدة, فنجد الكثير من الكتابات واللقاءات والنقاشات حول تلويح الرئيس السابق من محبسه, وكأنها قضية قومية تستوجب سرعة الحسم, وتناسينا في خضم حساباتنا قضايا الوطن ومشكلات المواطن, فهل من أجل هذا قامت الثورة؟ وهل من اجل هذا ضحي الشباب بأرواحهم, إما من أجل بناء دولة عصرية ترتكز علي مقومات النهضة ومرتكزات التقدم واسس العلم, تسهم في صنع الحضارة, بدلا من ان نظل مستهلكين لها؟ هذه هي اسئلة اللحظة الراهنة التي تستوجب سرعة الاجابة عليها اذا كنا نريد ان نخرج من عنق الزجاجة الي رحابة الوطن. جملة القول إن مسئولية حماية التراث والحفاظ عليه ليست مسئولية الحكومة بأجهزتها المعنية فحسب, وإنما هي في المقام الاول مسئولية المجتمع بمختلف مؤسساته وتكويناته الاجتماعية وتنظيماته السياسية وأفراده, ولا شك ان هذا اليوم جاء كجرس انذار للجميع لفتح هذا الملف المهم الذي يضيع في زحام الصراع الماثل اليوم علي السلطة, بما ينبئ عن أننا انشغلنا عن م ستقبلنا بحاضرنا, وتجاهلنا ماضينا ليبحث عنه غيرنا. لمزيد من مقالات عماد المهدى