كيف تنهض الأمة الإسلامية ؟ وفي ظل الحديث عن مشاريع النهضة في الدول العربية, هل يمتلك اي تيار إسلامي أو فكري مشروعا محدد الملامح للنهوض بالعقل والأمة الإسلامية ؟ وما هي رؤي المفكرين الإسلاميين لأسس تلك النهضة ؟ والتساؤل الاكثر أهمية: هل تعدد الملامح وتباين الرؤي يحول دون صياغة مشروع نهضوي محدد الملامح للأمة الاسلامية في ظل تعدد المطالب بتبني تجارب نهضوية اسلامية حققت نجاحا في بعض الدول مثل تركيا وشرق آسيا ؟ ام ان تلك التجارب غير صالحة للتطبيق في دول الربيع العربي ؟ الأسئلة كانت موضعا للنقاش خلال أعمال المؤتمر الدولي السابع عشر للفلسفة الإسلامية تحت عنوان أسس النهضة واتجاهاتها في الفكر الإسلامي الذي نظمه قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم تحت رعاية الدكتور حسام كامل رئيس جامعة القاهرة ورئاسة الدكتور محمد صالح توفيق عميد كلية دار العلوم, وناقش منطلقات النهضة في الإسلام وتناول الشرع والعقل, والعلم والعمل, والوحدة والتنوع, والانفتاح والتواصل مع الآخر, والمشروعات التجديدية في الفكر الإسلامي, ومجالات الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام والتصوف والفكر السلفي والفكر السياسي والاجتماع الإنساني, كما استعرض المؤتمر مشروعات النهضة في العصر الحديث وتناول المشروع الإسلامي والمشروع العلماني والمشروعات التوفيقية, ودعا المؤتمر إلي إحياء قيم الحضارة الإسلامية كالحرية والعدل والمساواة والشوري والديمقراطية والحفاظ علي الخصوصية الحضارية. والذي ناقش علي يومين نحو أربعين بحثا تحدثت عن النهضة وروادها في العالم العربي والإسلامي قدمها باحثون من شتي بلاد العالم المسلم من مصر وليبيا والسعودية والسودان والجزائر والإمارات وقطر وأذربيجان وبروناي وإندونيسيا وتركيا وكوسوفا وماليزيا.. فقه النهضة الدكتور محمد عبد الله الشرقاوي مقرر المؤتمر, أوضح أن المؤتمر تصدي هذا العام لمناقشة موضوع مهم يتعلق بفقه النهوض والانبعاث والإصلاح لدي الشعوب العربية, لأن شعوبنا تستحق أن تنهض بل من واجبها أن تنهض, وللنهضة آلياتها وأسسها وقيمها, ومن آليات النهضة تجديد الفكر وتجديد فهمنا للدين وتجديد طريقتنا في التفكير وتعديل منهجيتنا للفهم والنظر إلي أنفسنا ونظرتنا للآخرين وللكون والحياة, فالتغيير لابد أن ينبع من داخل الإنسان لكي يغير الواقع الذي يعيش فيه, والله تعالي قال: إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم, وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: يبعث الله تعالي لهذا الأمة علي رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها, وإذا كانت النهضة بالإنسان, ومن أجله, فكيف نبني إنسان النهضة هذا؟ لأن نهضة الأمم لا تنبني علي الغوغائية ولا علي برامج التوك شو, ولكن تنبني علي الفكر النهضوي الفاعل. وأوضح الشرقاوي أن قسم الفلسفة بعلمائه وباحثيه يستشعر مسئوليته نحو الإسهام الفعلي في تجديد الفكر الإسلامي إيمانا منا بأن النهضة الحضارية لابد أن تتأسس علي نهضة فكرية, وفي هذا السياق يجيء مؤتمرنا هذا. أما الدكتور حسن الشافعي رئيس مجمع الخالدين وأستاذ الفلسفة الإسلامية فأوضح أن النهضة إنما تكون لأمة من الأمم وليست لبلد بمفرده, معرفا النهضة بأنها االوثبة التاريخية الجماعية الأصيلة لأمة من الأمم لإنتاج دور حضاري جديد. وأوضح أن الغربيين ترجموا كتب العالم المسلم نصير الدين الطوسي في الرياضيات وبنوا عليها نهضتهم, كما ترجموا لغيره من علماء المسلمين أمثال أبو حامد الغزالي وابن رشد, وصرح الشافعي بأن االنهضة في القرن التاسع عشر تموج بتيارات كثيرة في رحمها أفكار, ودور اللغة في الحقيقة إرشادي ثم مشارك ثان ولكنه ليس بديلا عن تحرك الأمة. وقال الشافعي: إن المنطقة منذ بداية القرن التاسع عشر تموج بتيارات وتتحرك في رحمها أفكار, وقد تحققت أفكار وإنجازات مبتسرة, ولكن النهضة لم تتحقق لأسباب كثيرة حالت دون ذلك أهمها: تصدي الدول الغربية لوأد هذه النهضة, والأولي بنا وقد تعرفنا حقيقة النهضة وطريقها أن نسلك طريقها آخذين كل السبل المؤدية لذلكب. أما الدكتور حامد طاهر أستاذ الفلسفة الإسلامية بالكلية ونائب رئيس جامعة القاهرة سابقا فتحدث عن النهضة الإسلامية والكفاءات البشرية, موضحا عوامل النهضة وكيفية النهوض مبديا رأيا أننا لن ننهض حتي يرضي الغرب عنا ضاربا مثلا بالدول التي نهضت كألمانيا واليابان, وهو ما لاقي اعتراض واستهجان المشاركين في المؤتمر. العلمانية بين الرفض والقبول ومن ليبيا تحدث الدكتور مستور حماد العوامي في ورقة بعنوان مفهوم العلمانية بين الرفض والقبول في البلدان الإسلامية رؤية نقدية سسيولوجية مروجا للفكر العلماني ومنتقدا الفكر الإسلامي ومنتقدا مشاريع النهضة الإسلامية مشيرا إلي أننا لا بد أن نأخذ من العلمانية كي نبني نهضتنا, زاعما أن تركيا تقدمت بسبب الفكر العلماني وهو ما جر عليه انتقاد المشاركين الذين استنكروا حديثه, مؤكدين أن النهضة الإسلامية في تركيا هي السبب الرئيس في تطورها وعلق الدكتور عبد الحميد مدكور في مداخلة مؤكدا أن العلمانية جرت علي تركيا الكثير من الويلات فكم أغلقت من مساجد وكم قفلت من مدارس دينية وكم قتلت وسجنت علماء ومفكرين. إعلاء القيم وأوصي القائمون علي المؤتمر بتأكيد القيم العليا للإسلام كالعدل والحكمة والعلم والتفكر والكرامة الإنسانية, وكذلك أوصوا بتضمين مناهج التعليم نماذج مضيئة لأعلام النهضة وروادها, كما دعا المؤتمر إقامة مراكز بحثية داخل الجامعات لدراسة الفكر النهضوي وتطويره وتفعيله في المجتمع, كما أكد القائمون علي المؤتمر دور التربية الإسلامية وضرورة الاعتناء بها في شتي المجالات رافضين إهمال بعض التيارات للتربية الإسلامية في زحمة التنازع والتصارع علي السياسة. وأوصي المؤتمر بضرورة استنهاض الهمم وتشجيع الفكر النهضوي والربط بين العلم والعمل, وأيضا دعا المؤتمر إلي ضرورة الاستفادة من التجارب النهضوية, وإنشاء رابطة علمية تهتم بالخروج بأمتنا من أزمتها الراهنة, وتفعيل دور هذه الرابطة في شتي المجالات, وكذلك أوصوا بإصدار مجلة لهذه الرابطة تتحدث بلسانها وتنشر ما لديها من أفكار.